‌‌مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه1688

مسند احمد

‌‌مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه1688

حدثنا بهز، حدثنا همام، حدثنا قتادة، قال: حدثنا أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " بينما أنا أسير في الجنة، فإذا أنا بقصر، فقلت: لمن هذا يا جبريل؟ ورجوت أن يكون لي " قال: " قال لعمر "، قال: " ثم سرت ساعة، فإذا أنا بقصر خير من القصر الأول "، قال: " فقلت: لمن هذا يا جبريل؟ ورجوت أن يكون لي " قال: " قال: لعمر، وإن فيه لمن الحور العين، يا أبا حفص، وما منعني أن أدخله إلا غيرتك "، قال: فاغرورقت عينا عمر، ثم قال: أما عليك فلم أكن لأغار (1)

جيلُ الصَّحابةِ خَيرُ القُرونِ، وهم أيضًا خَيرُ هذه الأُمَّةِ، أثنى اللهُ تعالى عليهم، ومَدَحَهمُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وبَيَّنَ فضلَهم في أحاديثَ كَثيرةٍ، وذلك لِما قاموا به مِن نُصرةِ هذا الدِّينِ والجِهادِ في سَبيلِ اللهِ تعالى، ومِن خيرةِ أصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ وبلالُ بنُ رَباحٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، ولَهما مِنَ الفضائِلِ الشَّيءُ الكَثيرُ، وقد رَأى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قَصرًا في الجَنَّةِ لعُمَرَ، ورَأى بلالًا قد سَبَقَه إلى الجَنَّةِ، وفي هذا الحَديثِ بَيانُ قِصَّةِ ذلك؛ فقد أصبَحَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أي: لمَّا كان وقتُ الصَّباحِ أصبحَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وقد رَأى رُؤيا في مَنامِه، فدَعا بلالًا، وقال له: يا بلالُ، بمَ سَبَقتَني إلى الجَنَّةِ؟! أي: ما العَمَلُ الذي جَعَلَك تَسبِقُني إلى دُخولِ الجَنَّةِ، فإنِّي ما دَخَلتُ الجَنَّةَ قَطُّ إلَّا سَمِعتُ خَشخَشَتَك أمامي، أي: قُدَّامي، والخَشخَشةُ: هيَ حَرَكةٌ لَها صَوتٌ كَصَوتِ السِّلاحِ، وإنِّي دَخَلتُ البارِحةَ وهيَ أقرَبُ لَيلةٍ مَضَت، الجَنَّةَ، أي: رَأيتُ في المَنامِ كَأنِّي دَخَلتُ الجَنَّةَ، يَعني أنَّ هذه القِصَّةَ وقَعَت في المَنامِ لا في اليَقَظةِ، كما جاءَ في بَعضِ الرِّواياتِ، فسَمِعتُ خَشخَشَتَك. وإنَّما أخبَرَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بما رَآه ليَطيبَ قَلبُه ويُداوِمَ على ذلك العَمَلِ، ولتَرغيبِ السَّامِعينَ إليه. ثُمَّ أتَيتُ على قَصرٍ مِن ذَهَبٍ مُرتَفِعٍ مُشرِفٍ، أي: له شُرفةٌ، والشُّرفةُ مِنَ القَصرِ ما يوضَعُ في أعلاه يُحَلَّى به، فقُلتُ لمَن هذا القَصرُ، أي: سَألتُ، ولَعَلَّه سَألَ المَلائِكةَ: لمَن يَكونُ هذا القَصرُ؟ فقالوا له: لرَجُلٍ مِنَ العَرَبِ. فقال لَهم رَسولُ اللهِ: أنا عَرَبيٌّ. وأعادَ عليهمُ السُّؤالَ مَرَّةً أُخرى، كَأنَّه يُريدُ أن يَدخُلَه: لمَن هذا القَصرُ؟ فقالوا له: لرَجُلٍ مِنَ المُسلمينَ مِن أُمَّةِ مُحَمَّدٍ. فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لَهم: أنا مُحَمَّدٌ، لمَن هذا القَصرُ؟ أي: لمَن هذا القَصرُ مِن أُمَّتي؟ فقالوا له: لعُمَرَ بنِ الخَطَّابِ. فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنه: لَولا غَيرَتُك يا عُمَرُ، والغَيرةُ هيَ الحَميَّةُ والأنَفةُ، لَدَخَلتُ القَصرَ! أي: أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم امتَنَعَ مِن دُخولِ ذلك القَصرِ الذي هو لعُمرَ بسَبَبِ ما عَرَف مِن غَيرةِ عُمَرَ وحَميَّتِه! فقال عُمَرُ: يا رَسولَ اللهِ، ما كُنتُ لأغارَ عليك، أي: لَستَ أنتَ الذي أغارُ مِنه، ثُمَّ قال رَسولُ اللهِ لبلالٍ: بمَ سَبَقتَني إلى الجَنَّةِ، أي: ما الشَّيءُ الذي جَعَلَك تَسبقُني إلى دُخولِ الجَنَّةِ، وتَكونُ قَبلي أو أمامي، ومَشيُ بلالٍ بَين يَدَيِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان مِن عادَتِه في اليَقَظةِ، فاتَّفَق مِثلُه في المَنامِ، ولا يَلزَمُ مِن ذلك دُخولُ بلالٍ الجَنَّةَ قَبلَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لأنَّه في مَقامِ التَّابعِ، وكَأنَّه أشارَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى بَقاءِ بلالٍ على ما كان عليه في حالِ حَياتِه واستِمرارِه على قُربِ مَنزِلَتِه، فقال بلالٌ: ما أحدَثتُ، أي: ما انتَقَضَ وُضوئي، إلَّا تَوضَّأتُ وصَلَّيتُ رَكعَتَينِ، أي: إلَّا بادَرتُ وتَوضَّأتُ، ثُمَّ صَلَّيتُ رَكعَتَينِ، أي: شُكرًا له تعالى على إزالةِ الأذيَّةِ وتَوفيقِ الطَّهارةِ. فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: بهذا، أي: بمواظَبَتِك عليهما نِلتَ ما نِلتَ، وسَبَقتَني إلى دُخولِ الجَنَّةِ. وسَبقُ بلالٍ إلى دُخولِ الجَنَّةِ لا يُعارِضُ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم هو أوَّلُ مَن يَدخُلُ الجَنَّةَ حَقيقةً؛ فإنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لَم يَقُلْ في هذه الرُّؤيا: إنَّه يَدخُلُها قَبلَه في القيامةِ، وإنَّما رَآه أمامَه في مَنامِه، وأمَّا الدُّخولُ حَقيقةً فهو صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أوَّلُ مَن يَدخُلُها مُطلَقًا، وأمَّا هذا الدُّخولُ فالمُرادُ به سَرَيانُ الرُّوحِ في حالةِ النَّومِ.

 وفي الحَديثِ إثباتُ الجَنَّةِ وأنَّها مَوجودةٌ الآنَ. وفيه إثباتُ نَعيمِ الجَنَّةِ.

وفيه دُخولُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم للجَنَّةِ. وفيه فَضلُ بلالٍ رَضِيَ اللهُ عنه. 

وفيه فَضلُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنه.

 وفيه الشَّهادةُ لعُمَرَ وبلالٍ رَضِيَ اللهُ عنهما بالجَنَّةِ.

وفيه فَضلُ الوُضوءِ بَعدَ كُلِّ حَدَثٍ.

وفيه مَشروعيَّةُ صَلاةِ رَكعَتَينِ بَعدَ كُلِّ وُضوءٍ. 

وفيه فضلُ صَلاةِ رَكعَتَينِ بَعدَ كُلِّ وُضوءٍ .