‌‌مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه1700

مسند احمد

‌‌مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه1700

حدثنا عفان، حدثنا سليمان بن المغيرة، حدثنا ثابت قال أنس: " ما أعرف فيكم اليوم شيئا كنت أعهده على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليس قولكم: لا إله إلا الله "، قال: قلت: يا أبا حمزة الصلاة؟ قال: " قد صليتم (1) حين تغرب الشمس، أفكانت تلك صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ " قال: فقال: " على أني لم أر زمانا خيرا لعامل من زمانكم هذا، إلا أن يكون زمانا مع نبي " 

كان الصَّحابةُ رَضِيَ اللهُ عنهم في زَمَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مُتَمَسِّكينَ بالدِّينِ بقوَّةٍ، وعِندَهم مِنَ الحِرصِ على الخَيرِ وعلى مُلازَمةِ السُّنَّةِ ما لم يَكُنْ في الأجيالِ التي بَعدَهم؛ ولذلك لمَّا توفِّي النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وكَثُرَ النَّاسُ وقَلَّ عِندَ بَعضِهمُ التَّمَسُّكُ بالدِّينِ، كان الصَّحابةُ يَستَنكِرونَ مِثلَ هذه الأحوالِ، ويَنظُرونَ كَيف تَغَيَّرَت أحوالُ النَّاسِ في الدِّينِ والعِبادةِ عمَّا كان عليه الصَّحابةُ في عَهدِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ومِن ذلك ما جاءَ في هذا الحَديثِ؛ حَيثُ يُخبِرُ أنَسُ بنُ مالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنه، فيَقولُ: ما أعرِفُ فيكُم، أي: التَّابِعينَ، اليَومَ، أي: في زَمانِهم، شَيئًا كُنتُ أعهَدُه على عَهدِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أي: لا أرى شَيئًا أعرِفُه مِمَّا كُنت أراه في زَمَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم! والمُرادُ أنَّه لا يَعرِفُ شَيئًا مَوجودًا مِنَ الطَّاعاتِ مَعمولًا به، ليسَ قَولَكُم: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، أي: إلَّا أنَّكُم تَقولونَ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ! والمَعنى: تَغَيَّرَت أحوالُكُم عَمَّا كُنَّا عليه في زَمَنِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولم يَبقَ شَيءٌ مَعروفٌ إلَّا التَّوحيدُ، وقَولُكُم: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ! فقال له أحَدُهم، وهو ثابِتٌ البُنانيُّ الرَّاوي عَنه: يا أبا حَمزةَ، وهيَ كُنيةُ أنَسٍ، الصَّلاةُ؟! أي: حتَّى صَلاتُنا تَغَيَّرَت عَمَّا كانت عليه صَلاةُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟ فقال أنَسٌ: قد صَلَّيتُم حينَ تَغرُبُ الشَّمسُ، أي: أجَلْ حتَّى الصَّلاةُ؛ وذلك لأنَّكُم قد صَلَّيتُم عِندَ غُروبِ الشَّمسِ، ولعَلَّه يَقصِدُ صَلاةَ العَصرِ، وقيلَ: هو تَأخيرُ الظُّهرِ والعَصرِ إلى غُروبِ الشَّمسِ، ويُقالُ: إنَّ الحَجَّاجَ هو أوَّلُ مَن أخَّرَ الصَّلاةَ عَن وقتِها بالكُلِّيَّةِ، فكان يُصَلِّي الظُّهرَ والعَصرَ مَعَ غُروبِ الشَّمسِ، ورُبَّما كان يُصَلِّي الجُمُعةَ عِندَ غُروبِ الشَّمسِ، فتَفوتُ النَّاسَ صَلاةُ العَصرِ! أفكانت تلك صَلاةَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟! وهذا استِفهامُ إنكارٍ مِن أنَسٍ، يَعني: أنَّ هذه لم تَكُنْ صَلاةَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فهَل كان رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُصَلِّي العَصرَ عِندَ الغُروبِ؟ والجَوابُ: لا، لم يَكُنْ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُصَلِّيها عِندَ الغُروبِ، بَل كان يُصَلِّيها في وقتِها، أمَّا أنتُم فقدَ أخَّرتُمُ الصَّلاةَ عَن وقتِها الِاختياريِّ حتَّى صَلَّيتُموها عِندَ الغُروبِ. ثُمَّ قال أنَسٌ: على أنِّي لم أرَ زَمانًا خَيرًا لعامِلٍ مِن زَمانِكُم هذا، أي: ومَعَ ذلك فزَمانُكُمُ الذي أنتُم فيه هو خَيرٌ للعامِلِ مِن أزمِنةٍ تَأتي بَعدَ ذلك، إلَّا أن يَكونَ زَمانًا مَعَ نَبيٍّ، أي: إلَّا أن يَكونَ زَمانٌ يَكونُ الشَّخصُ فيه مَعَ نَبيٍّ، ولعَلَّه يَقصِدُ عِندَ نُزولِ عيسى عليه السَّلامُ، فيَكونُ حالُ النَّاسِ أفضَلَ حالٍ، أو يَقصِدُ العُمومَ، وهيَ الأزمِنةُ التي فيها أنبياءُ؛ فهو خَيرٌ مِن زَمانِكُم.
وفي الحَديثِ بَيانُ بدايةِ ظُهورِ مَظاهرِ التَّقصيرِ في الدِّينِ.
وفيه بَيانُ أنَّ زَمَنَ التَّابِعينَ فيه خَيرٌ.
وفيه فضلُ الزَّمَنِ الذي يوجَدُ فيه نَبيٌّ.