‌‌مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه184

مسند احمد

‌‌مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه184

حدثنا يحيى بن سعيد، عن يحيى بن سعيد (1) قال: سمعت أنس بن مالك يقول: دخل أعرابي المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبال فنهوه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " دعوه " وأمر أن يصب عليه أو أهريق عليه الماء (2)

يَحكِي جَابِرُ بنُ عبدِ الله رضِي اللهُ عنهما أنَّه أتَى هو ورسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم العَسْكَرَ، فقال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: يا جَابِرُ، نَادِ بِوَضُوءٍ»، أي: أمَرَه أن يُنادِيَ في الناسِ: مَن كان عندَه ماءٌ للوُضوء فَلْيَأْتِ به، فقال جابِرٌ: «ألَا وَضُوءٌ؟» وكرَّرها ثلاثًا، ثُمَّ قال للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «ما وَجَدْتُ في الرَّكْبِ»، أي: القافِلَة «مِن قَطْرَةٍ، وكان رجلٌ مِن الأنصارِ يبرِّد لرسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم الماءَ في أَشْجَابٍ له»: جمعِ شَجْبٍ، وهو السِّقاء الذى قد أُخْلِقَ وبَلِيَ وصار شَنًّا، يُقال شاجِبٌ أي يابِسٌ، وهو مِن الشَّجْبِ الذي هو الهلاك، «على حِمَارَةٍ» وهي أَعْوادٌ تعلَّق عليها أَسقِيَةُ الماءِ «مِن جَرِيدٍ» وهو خُوصُ النَّخْلِ، «قال: فقال لي: انطلِقْ إلى فلانِ بنِ فلانٍ الأنصارِيِّ، فانظُرْ هل في أَشجابِه مِن شيء؟» فانطلَقَ جابِرٌ إليه فنَظَر فيها فلم يَجِدْ فيها إلا قَطْرَةً في عَزْلَاءِ شَجْبٍ منها»، أي: في فَمِ سِقاءٍ مِن أَسقِيَتِه، «لو أنِّي أُفرِغُه»، أي: أَكْفَؤُه وأُخرِجُه مِنَ القِرْبَةِ إلى إناءٍ آخَرَ «لَشَرِبَه يَابِسُه»، أي: لَانْجَذَب الماءُ في الجُزءِ اليابِسِ من تلك القِربة ولم يَصِلْ إلى خارجِها؛ وذلك لقِلَّة الماء الموجود، والعَزْلاءُ: فَمُ القِربة، «فأَتَيْتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقلتُ: يا رسولَ الله، إنِّي لم أَجِدْ فيها إلا قَطْرَةً في عَزْلاءِ شَجْبٍ منها، لو أنِّي أُفْرِغُه لَشَرِبَه يَابِسُه، قال: اذْهَبْ فَأْتِنِي به، فأتَيْتُه به، فأَخَذَه بيدِه فجَعَل يتكلَّم بشيءٍ لا أَدرِي ما هو، ويَغْمِزُه بيدَيْه»، أي: يَعصِرُه، «ثُمَّ أَعْطَانِيهِ، فقال: يا جَابِرُ، نَادِ بِجَفْنَةٍ، فقلتُ: يا جَفْنَةَ الرَّكْبِ»، أي: الجَفْنَة التي تُشبِع القافِلَة، فمَن كانت عندَه جَفْنَةٌ بهذه الصِّفة فَلْيُحضِرْها، «فأُتِيتُ بها تُحمَلُ، فوَضَعْتُها بينَ يَدَيْه، فقال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم بيدِه في الجَفْنَةِ هكذا، فبَسَطَها وفرَّق بينَ أصابِعِه، ثُمَّ وَضَعها في قَعْرِ الجَفنةِ، وقال: خُذ يا جابِرُ، فصُبَّ عليَّ»، أي: اسْكُبْ ماءَها عليَّ، «وقُل: بِاسْمِ الله، فصَبَبْتُ عليه وقلتُ: بِاسْمِ الله، فرأيتُ الماءَ يَفُورُ»، أي: يَتدفَّقُ ويَخرُج غَزِيرًا «مِن بينِ أصابِعِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، ثُمَّ فارَتِ الجَفْنَةُ ودارَتْ حتَّى امتَلأَتْ، فقال: يا جابِرُ، نادِ مَن كان له حَاجَةٌ بِمَاءٍ، قال: فأتَى الناسُ فاسْتَقَوْا حتَّى رَوُوا، قال: فقلتُ: هل بَقِيَ أحدٌ له حاجةٌ؟ فرَفَع رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يدَه مِن الجَفْنَةِ وهي مَلْأَى.
في الحديثِ: مُعجِزةٌ للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم.
وفيه: علامةٌ مِن علامات نُبوَّتِه صلَّى الله عليه وسلَّم.
وفيه: فضلُ جابِرِ بنِ عبدِ الله رضِي اللهُ عنهما.