مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه252
مسند احمد
حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا حميد، عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا عليكم أن لا تعجبوا بأحد، حتى تنظروا بم يختم له، فإن العامل يعمل زمانا من عمره، أو برهة من دهره، بعمل صالح، لو مات عليه دخل الجنة، ثم يتحول فيعمل عملا سيئا، وإن العبد ليعمل البرهة من دهره بعمل سيئ، لو مات عليه دخل النار، ثم يتحول فيعمل عملا صالحا، وإذا أراد الله بعبد خيرا استعمله قبل موته "، قالوا: يا رسول الله وكيف يستعمله؟ قال " يوفقه لعمل صالح، ثم يقبضه عليه "
خَلَقَ اللهُ سُبحانَه وتَعالى الخَلقَ والأكوانَ، وقَدَّرَ مَقاديرَ كُلِّ شَيءٍ، وبعِلْمِه عَلِمَ أهلَ الجَنَّةِ، وأَهْلَ النَّارِ، وكُلٌّ مُيسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَه، والإيمانُ بالقَدَرِ مِن تَمامِ الإيمانِ، ولا بُدَّ مِنَ التَّسليمِ المُطلَقِ بِه.
وفي هذا الحَديثِ يَقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "لا تُعجَبوا بعَمَلِ أحَدٍ" في الدُّنيا، إنْ كانَ العَمَلُ صالِحًا أو فاسِدًا "حتى تَنظُروا بما يُختَمُ له" في آخِرِ حَياتِه وقَبلَ مَوتِه؛ "فإنَّ العامِلَ يَعمَلُ زَمانًا مِن دَهرِه، أو بُرهةً مِن دَهرِه" في مُدَّةِ عُمُرِه، "بعَمَلٍ صالِحٍ" فيما يَبدو لِلناسِ مِن ظاهِرِ أعمالِه، وهذا العَمَلُ "لو ماتَ عليه دَخَلَ الجَنَّةَ" وذلك إذا أخلَصَه للهِ عَزَّ وجَلَّ، "ثم يَتحوَّلُ فيَعمَلُ عَمَلًا سَيِّئًا" والمُرادُ أنَّه مَكتوبٌ عِندَ اللهِ في الكِتابِ، وقُدِّرَ عليه أنَّه مِن أهلِ النارِ، فإذا كانَ قَبلَ مَوتِه تَحوَّلَ فعَمِلَ بعَمَلِ أهلِ النارِ، فماتَ فدَخَلَ النارَ "وإنَّ العَبدَ لَيَعمَلُ زَمانًا مِن دَهرِه بعَمَلٍ سَيِّئٍ" مِنَ المَعاصي والشِّركِ فيما يَظهَرُ مِن عَمَلِه لِلنَّاسِ، "لو ماتَ عليه دَخَلَ النارَ" جَزاءً على عَمَلِه السَّيِّئِ، "ثم يَتحوَّلُ" بفضْلِ اللهِ تعالَى وتوفيقِه له "فيَعمَلُ عَمَلًا صالِحًا" والمَعنى أنَّه مَكتوبٌ في الكِتابِ وقُدِّرَ عليه أنَّه مِن أهلِ الجَنَّةِ، فإذا كانَ قَبلَ مَوتِه تَحوَّلَ، فعَمِلَ بعَمَلِ أهلِ الجَنَّةِ مِنَ الطاعاتِ والإيمانِ، فماتَ وهو كذلك فدَخَلَ الجَنَّةَ. "وإذا أرادَ اللهُ بعَبدٍ خَيرًا"، أي: إذا أرادَ أنْ يَزيدَ في حَسَناتِه، فيُدخِلَه الجَنَّةَ "استَعمَلَه قَبلَ مَوتِه فوَفَّقَه لِعَمَلٍ صالِحٍ، ثم يَقبِضُه عليه" فيُوفِّقُ اللهُ العَبدَ فيَقومُ بعَمَلٍ صالِحٍ قَبلَ مَوتِه، ويَقبِضُ اللهُ رُوحَه، وهو يُقيمُ هذا العَمَلَ، أو عَقِبَ فِعلِه له، كأنْ يُوفِّقَه لِلصَّلاةِ، ويَقبِضَه وهو يُصلِّي، أو لِلصِّيامِ، ونحوِ ذلك مِن الأعمالِ الصالِحةِ، ويَقبِضَه وهو يَفعَلُها، أو عَقِبَ فِعلِها؛ فلْيَكُنِ المَرءُ على حَذَرٍ، وَلا يَقَعْ في غُرورِ النَّفْسِ إِذا وَجَدَ مِنها صَلاحًا ومَيلًا إِلى الخيرِ، وليَطلُبْ مِنَ اللهِ التَّوفيقَ والسَّدادَ الدَّائِمَ وحُسنَ الخاتِمةِ.
وفي الحَديثِ: أنَّ الأعمالَ بالخَواتيمِ.
وفيه: ثُبوتُ قَدَرِ اللهِ السَّابِقِ لِخَلقِه، وهوَ عِلْمُه بالأشياءِ قَبلَ كَونِها، وكِتابَتُه لَها قَبلَ بَرئِها.
وفيهِ: الحَثُّ عَلى طَلَبِ حُسنِ الخاتِمةِ بالقَولِ والعَمَلِ.