مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه425
مسند احمد
حدثنا هاشم، حدثنا سليمان، عن ثابت، عن أنس قال: " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى الغداة جاء خدم أهل المدينة بآنيتهم فيها الماء، فما يؤتى بإناء إلا غمس يده فيها، فربما جاءوه في الغداة الباردة فغمس يده فيها "
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُتواضِعًا وقَريبًا مِن النَّاسِ، يَمْشي بيْن أصحابهِ كواحدٍ منهم، ويَجلِسُ بيْنهم، ويُعلِّمُهم أُمورَ الدِّينِ ويَعِظُهم ويُرشِدُهم، وكانوا يَلتمِسون أنْ تُصِيبَهم بعضُ بَرَكتِه.
وفي هذا الحديثِ يَرْوي أَنسُ بنُ مالكٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ إِذا صلَّى الفَجرَ جاءَ إليه خَدمُ أهلِ المدينةِ بآنيتِهِم -جَمعُ إِناءٍ- فيها الماءُ، يَطلُبون البَرَكةَ والعافيةَ والشِّفاءَ؛ فَما يَأتونَ بِإِناءٍ إلَّا غَمَسَ يَدَه فيها صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تَطيِيبًا لِخواطِرِهم وتَحصيلًا لِمقاصِدِهم، ورُبَّما جاؤُوه في وَقتٍ فيه بُرودةٌ، فيَغمِسُ يَدَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في الأَواني المشْتملةِ على المياهِ الباردةِ، وفاءً لهم ولِطَلباتِهم، فلا يَمنَعُه البرْدُ الشَّديدُ مِن إدخالِ يَدِه فيها، فكان يَتحمَّلُ العَناءَ والتَّعبَ بنفْسِه لقَضاءِ حَوائجِ النَّاسِ ومُشاركتِه الجميعَ، وإجابتَه دَعوةَ الصَّغيرِ والكبيرِ، وإنَّما كانوا يَفعَلون ذلك تَبرُّكًا بما لَمَسَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وفي الحديثِ: تَكَلُّفُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ المشَاقَّ لِتَطييبِ قُلوبِ النَّاسِ، لا سِيَّما مَع الخَدمِ والضُّعفاءِ.
وفيه: بَيانُ بُروزِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ للنَّاسِ وقُربِه منهم؛ لِيَصِلَ أهلُ الحقوقِ إلى حُقوقِهم، ويُرشِدَ مُسْترشِدَهم؛ لِيُشاهِدوا أفعالَه وحَركاتِه فيُقْتدى بها، وهكذا يَنْبغي لوُلاةِ الأمورِ.