‌‌مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه426

مسند احمد

‌‌مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه426

حدثنا هاشم، وعفان، المعنى، قالا: حدثنا سليمان، عن ثابت قال: كنا عند أنس بن مالك فكتب كتابا بين أهله، فقال: اشهدوا يا معشر القراء، قال ثابت: فكأني كرهت ذلك، فقلت: يا أبا حمزة: لو سميتهم بأسمائهم قال: وما بأس ذلك أن أقول (1) لكم قراء، أفلا أحدثكم عن إخوانكم الذين كنا نسميهم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم القراء، فذكر أنهم كانوا سبعين، فكانوا إذا جنهم الليل، انطلقوا إلى معلم لهم بالمدينة، فيدرسون فيه القرآن حتى يصبحوا (2) ، فإذا أصبحوا فمن كانت له قوة استعذب من الماء، وأصاب من الحطب، ومن كانت عنده سعة اجتمعوا، فاشتروا الشاة، فأصلحوها فيصبح ذلك معلقا بحجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أصيب خبيب، بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتوا على حي من بني سليم، وفيهم خالي حرام، فقال حرام لأميرهم: دعني فلأخبر هؤلاء أنا لسنا إياهم نريد، حتى يخلوا وجهنا، - وقال عفان: فيخلون وجهنا -، فقال لهم حرام: إنا لسنا إياكم نريد، فاستقبله رجل بالرمح، فأنفذه منه، فلما وجد الرمح في جوفه قال: الله أكبر فزت ورب الكعبة. قال: فانطووا عليهم فما بقي منهم أحد، فقال أنس: " فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد على شيء قط، وجده عليهم، فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما صلى (3) الغداة رفع يديه لك في قاتل حرام؟ قال: قلت له: ما له فعل الله به وفعل قال: مهلا، فإنه قد أسلم، وقال عفان: رفع يده (1) يدعو عليهم، وقال أبو النضر: رفع يديه (2) (3) (4) فدعا عليهم "، فلما كان بعد ذلك إذا أبو طلحة يقول لي: هل

 

الصَّلاةُ عِبادةٌ تَوقيفيَّةٌ، وقد علَّمَنا النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كلَّ أفعالِها، وآدابِها، وما يَتعلَّقُ بها، والدُّعاءُ والقُنوتُ في الصَّلاةِ مِن هذه الأُمورِ التي وضَّحَتْها السُّنَّةُ النَّبويَّةُ، خاصَّةً في النَّوائبِ، وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ التابعيُّ عاصِمٌ الأَحْولُ أنَّه سَألَ أنَسَ بنَ مالِكٍ رَضيَ اللهُ عنه عن مَشروعيَّةِ القُنوتِ، والمرادُ به: الدُّعاءُ أثْناءَ الصَّلاةِ، حيثُ يَشرَعُ الإمامُ عندَ الرُّكوعِ الأَخيرِ في الدُّعاءِ ويُؤمِّنُ على دُعائِه المأْمُومونَ، فأجابَه أنسٌ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّه مَشروعٌ وقد فَعَلَه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فسَألَه: أقَبْلَ الرُّكوعِ أو بعْدَه؟ فأجابَه بأنَّه قبْلَ الرُّكوعِ، فقال عاصِمٌ لأنسٍ رَضيَ اللهُ عنه: فإنَّ فُلانًا أخبَرَني عنك أنَّك قُلتَ: إنَّه بعْدَ الرُّكوعِ؟ فقال أنَسٌ: كَذَبَ، أي: أخْطَأَ- والعرَبُ تَقولُ لمَن أخطَأَ: «كَذَبْتَ»- ثمَّ أخبَرَ أنسٌ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قَنَتَ بَعدَ الرُّكوعِ شَهرًا؛ وفي لفظٍ عِندَ البُخاريِّ: «وذلك بدْءُ القُنوتِ، وما كنَّا نَقنُتُ» وفائدتُه: أنَّ تلك الحالة تختصُّ بالنوازلِ التي تَنزِلُ بالمسلِمينَ، وذلك أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ قد بَعَثَ قَومًا مِن أهلِ الصُّفَّةِ يُقالُ لَهم: القُرَّاءُ -وكان عدَدُهم سَبعينَ رَجُلًا- إلى قَومٍ مِن المُشركينَ -وهمْ أهلُ نَجْدٍ مِن بني عامِرٍ-؛ لِيَدْعوهم إلى الإسْلامِ، ويَقْرَؤوا عليهم القُرآنَ، فلمَّا نَزَلوا بِئرَ مَعونةَ قَصَدَهم عامِرُ بنُ الطُّفيلِ ومعه أحياءٌ مِن العرَبِ -وهم: رِعْلٌ وذَكْوانُ وَبَنو لَحْيانَ وعُصَيَّةُ- وقاتَلوهم فقَتَلُوهم، ولم يَنْجُ منهم إلَّا كَعبُ بنُ زَيدٍ الأنصاريُّ، وكان ذلك في السَّنةِ الرابعةِ مِن الهِجرةِ.
وقولُه: «إلى قَومٍ مِن المُشركينَ دونَ أولئكَ»، أي: وكان عدَدُ القُرَّاءِ أقلَّ مِن عدَدِ المبعوثينَ إليهم، وقيل: معناهُ: أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إنَّما أرسَلَ القُرَّاءَ إلى قَومٍ مِن المشركينَ الذين كانوا لهم معه عَهْدٌ، لا الذين ليس لهم عَهْدٌ، فنَقَضوا العَهْدَ وغَدَروا بالقُرَّاءِ، فقَنَتَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ شَهرًا مُستمِرًّا في القُنوتِ دون انقِطاعٍ، يَدْعو علَيهم في صَلاةٍ الفَجرِ كما في رِوايةِ الصَّحيحَينِ عن أنسٍ رَضيَ اللهُ عنه، أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ «قنَت شهرًا في صَلاةِ الفَجرِ، وَيَقُولُ: إنَّ عُصيَّةَ عَصَوُا اللهَ ورسولَه»، وعِندَ أبي داودَ عن ابنِ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما: «قنَتَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ شهرًا مُتتابِعًا في الظُّهرِ، والعَصرِ، والمغرِبِ، والعِشاءِ، والصُّبح».
وفي الحديثِ: مَشروعيَّةُ القُنوتِ قبْلَ الرُّكوعِ.
وفيه: مَشروعيَّةُ القُنوتُ بعدَ الرُّكوعِ في الصَّلاةِ عِندَ النَّوازلِ.
وفيه: الدُّعاءُ على أهْلِ الغَدرِ والظالِمينَ والإعلانُ باسمِهم، والتَّصريحُ بذِكْرِهم في الصَّلاةِ.