‌‌مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه430

مسند احمد

‌‌مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه430

حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن ثابت البناني، عن أنس، أو غيره، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استأذن على سعد بن عبادة، فقال: " السلام عليكم ورحمة الله "، فقال سعد: وعليك السلام ورحمة الله، ولم يسمع النبي صلى الله عليه وسلم حتى سلم ثلاثا، ورد عليه سعد ثلاثا، ولم يسمعه فرجع النبي صلى الله عليه وسلم واتبعه سعد، فقال: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، ما سلمت تسليمة إلا هي بأذني، ولقد رددت عليك ولم أسمعك، أحببت أن أستكثر من سلامك، ومن البركة، ثم أدخله البيت فقرب له زبيبا، فأكل نبي الله صلى الله عليه وسلم، فلما فرغ قال: " أكل طعامكم الأبرار، وصلت عليكم الملائكة، وأفطر عندكم الصائمون " (1)

 

علَّمَنا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جَميلَ الآدابِ وكريمَ الأخلاقِ الَّتي تَزيدُ الرَّوابطَ بينَ المُسلمينَ، وتَزيدُ التَّآلُفَ والمحبَّةَ بينهم، ومِن ذلك دُعاءُ الضَّيفِ لمُضَيِّفِه.
وفي هذا الحديثِ يَرْوي أنسُ بنُ مالِكٍ رضِيَ اللهُ عنه: "أنَّه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ طَعِمَ"، أي: أَكَلَ طعامًا، "عندَ سعْدِ بنِ عُبادَةَ" وهو الصحابيُّ الجليلُ سَعدُ بنُ عُبادةَ بنِ دُلَيم الأنصاريُّ، سيِّدُ الخزرجِ، وأحَدُ النُّقباءِ لَيلةَ العقبةِ؛ شَهِدَ العَقبةَ مع السَّبعينَ مِن الأنصارِ، "فلمَّا فَرَغَ"، أي: انْتَهَى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ منَ الأكْلِ، "قال: أَكَلَ طعامَكم الأبْرارُ" وهذا مِن الدُّعاءِ له بصُحْبةِ الصَّالحينَ؛ لكوْنِهم عَونًا على الطَّاعةِ والعِبادةِ؛ ففيهِ فوزٌ ونَجاحٌ له؛ لأنَّ مَن أَكَلَ طعامَه الأبْرارُ، كان له أجْرُ الإطْعامِ موفورًا؛ لكوْنِ الآكلينَ له منَ الأبْرارِ، "وصَلَّتْ عليكم الملائِكةُ"، أي: استغْفَرتْ له عندَ اللهِ عزَّ وجلَّ، ومَنْ صلَّتْ عليه الملائِكةُ فقد فَازَ؛ لأنَّ دعْوتَهم له بالرحْمةِ مَقْبولةٌ عندَ اللهِ تعالى، وهذا مِن عَظيمِ الشُّكرِ لصاحِبِ الطَّعامِ، "وأفْطَرَ عندَكم الصائِمونَ" بمعنى الدُّعاءِ بالخيْرِ والبَركةِ؛ لأنَّ إفطارَ الصَّائمينَ يدُلُّ على اتِّساعِ الحالِ وكثْرةِ الخيْرِ، وهو أيضًا دُعاءٌ له بأنْ يَنالَ أجْرَ الصائِمِ؛ لأنَّ مَنْ أَفْطَرَ عندَه الصائِمونَ اسْتَحَقَّ الأَجْرَ المَوْعودَ به، فيمَنْ فَطَّرَ صائِمًا.
وفي الحديثِ: تَعْليمُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أُمَّتَه بالدُّعاءِ لمَن أطعَمَهم أو سَقاهُم، وهذا مِن آدابِ الضِّيافةِ.