مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه551
مسند احمد
حدثنا إسحاق بن سليمان، قال: سمعت مالك بن أنس، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك قال: " كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه برد نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي فجبذه جبذة، حتى رأيت صفح - أو صفحة - عنق رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد أثرت بها حاشية البرد من شدة جبذته، فقال: يا محمد أعطني من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه، فضحك ثم أمر له بعطاء "
أخْبَرَنا النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ببَعْضِ أُمورِ الآخِرَةِ، وما فيها مِن أهْوالٍ، وبيَّن ما يُلاقيهِ المُؤْمِنُ مِن رحْمةِ اللهِ، وما يُلاقيهِ العُصاةُ والكَفَرةُ من الخِزْيِ والهَوانِ، ومِن ذلك ما وَرَدَ في هذا الحديثِ حيثُ يقولُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "يوْمَ يَقومُ الناسُ لرَبِّ العالَمين"، أي: يوْمَ القِيامَةِ ويوْمَ حَشْرِ الخَلائِقِ أمامَ رَبِّ العالَمين، وقيامُهم فيه للهِ خاضِعينَ، وفي هذا اليومِ أنَّ النَّاسَ يُحْشرَون مِن قُبورِهم إلى أرْضِ المَحْشَرِ؛ فيُجْمَعون في صَعيدٍ واحدٍ؛ لانتِظارِ مُحاسبتِهم في يوْمٍ عظيمٍ "مِقْدارَ نِصْفِ يوْمٍ من خَمْسينَ ألْفَ سَنَةٍ" وتَحْديدُ الوَقتِ بأنَّه نِصْفُ يومٍ مِنْ أيامِ يومِ القيامةِ، أي: خَمْسُ مِئةِ عامٍ مِنْ أعْوامِ الدُّنيا، وقد قال تعالى: {وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} [الحج: 47]، فالمُرادُ بذلك: يومُ القيامةِ على الأخَصِّ يُطوِّلُهُ اللهُ؛ فيكونُ كخَمْسينَ ألْفَ سَنَةٍ، وإلَّا فاليوْمُ عِنْدَ اللهِ كأَلْفِ سَنَةٍ، وقيل: المُرادُ في الجَميعِ: يومُ القِيامةِ، والاخْتِلافُ يكونُ بحسَبِ حالِ المؤمنِ والكافِرِ، "فَيَهُونُ ذلك على المُؤْمِنِ"، أي: يُسهِّلُ اللهُ مِقْدارَ هذا الموقِفِ على المُؤْمِنِ ويُخفِّفُه؛ لأنَّ أعْمالَه الصَّالحةَ تُظِلُّه؛ فيكونُ مِقْدارُ اليوْمِ له "كَتَدَلِّي الشَّمْسِ لِلْغُروبِ إلى أَنْ تَغْرُبَ"، أي: مثلَ مِقْدارِ ابْتِداءِ غُروبِ شَمْسِ يوْمٍ في الدُّنيا إلى انْتِهاءِ غُروبِها، وهو وقْتٌ قصيرٌ، وقليلُ الحرارةِ، وَوَرَدَ عندَ أحْمدَ أنَّه يُخفَّفُ على المُؤْمِنِ؛ حتى يكونَ أخَفَّ عليه من صَلاةٍ مكتوبةٍ.
وفي الحديثِ: بَيانُ خُطورَةِ الموقِفِ يوْمَ القيامَةِ، وضَرورةُ عَمَلِ المرْءِ له ..