حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن قتادة، عن أنس، " أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بالبراق ليلة أسري به مسرجا ملجما ليركبه، فاستصعب عليه، فقال له جبريل: ما يحملك على هذا؟ فوالله ما ركبك أحد قط أكرم على الله منه، فارفض عرقا (1)
البُراقُ: هو الدَّابَّةُ الَّتي أُسرِي بالنَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم عليها من مكَّةَ إلى بيتِ المَقدِسِ، وهو عِبارةٌ عن دابَّةٍ أقلَّ في حَجمِها مِن البَغلِ وأعلى مِن الحمارِ، خُطْوتُه عندَ أقصى مُنتَهى بَصرِه، وفي هذا الحديثِ: "أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أُتِي بالبُراقِ ليلةَ أُسرِيَ به مُلجَمًا"، واللِّجامُ: ما يُوضَعُ في فَمِ الدَّابَّةِ لِتُقادَ به، "مُسْرَجًا"، والسَّرجُ: ما يوضَعُ على الدَّابَّةِ مِن فَرشٍ لِيَجلِسَ عليه الرَّاكبُ، "فاستَصعَب عليه"، أي: استَعْصى البُراقُ فلم يُمكِّنِ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم مِن رُكوبِه؛ قيل: في سَبَبِ نُفرةِ الْبُراقِ واستِصْعابِه: أنَّه فعَل ذلك لِبُعدِ عَهدِه بالأنبياءِ عَلَيْهِم الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَطولِ الفترةِ بَين عِيسَى وَمُحَمَّدٍ، عَلَيهما الصَّلاةُ والسَّلامُ، وقيل: قال جِبْريل عَليه السَّلامُ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عَلَيه وسلَّم حِين شَمَس البُراقُ- أي: منَع ظَهْرَه-: لَعَلَّك يا مُحَمَّدُ مَسِستَ الصَّفْراءَ اليَومَ، يَعْني: الذَّهَبَ فأخبَرَ النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عَلَيه وسلَّم أنَّه مَا مَسَّها إلَّا أَنَّه مرَّ بها، فقال: تَبًّا لِمَن يَعبُدُك مِن دونِ اللهِ، وما شمَس إلَّا لذَلِك.
فقال جبريلُ عليه السَّلامُ للبُراقِ: "أبِمُحمَّدٍ تَفعَلُ هذا؟"، أي: يُنكِرُ على البُراقِ ما يَفعَلُه، ويُبيِّنُ له قدْرَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، قائلًا: "فما رَكِبك أحدٌ أكرَمَ على اللهِ مِنه"، أي: إنَّه أعلى البشَرِ قدرًا عِندَ اللهِ عزَّ وجلَّ، قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "فارْفَضَّ عرَقًا"، أي: انصَبَّ عرَقُ البراقِ منه إجلالًا وإكبارًا لِمَقامِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، وقيل: إنَّ العَرقَ كان مِن البُراقِ؛ لأنَّ استِصْعابَه كان اهْتِزازًا صدَرَ عنه فَرَحًا، وظنَّ جبريلُ أنَّه وقَعَ منه اسْتِعْصَاءً؛ ولذلك ارفَضَّ البُراقُ عَرقًا.
وفي الحديثِ: مُعجزةٌ مِن مُعجزاتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، وبيانُ فَضلِه وكرامتِه عِندَ اللهِ تعالى.