الكَوثرُ مِن أنهارِ الجنَّةِ، وقد أخبَرَ به المَولَى تَبارَكَ وتَعالى نَبيَّهُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ فقال له في مُحكَمِ التَّنزيلِ: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر: 1]، وفي هذا الحَديثِ يَصِفُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نَهرَ الكَوثرِ -كما رآهُ في رِحلةِ المِعراجِ-، حيثُ قال: "دَخَلتُ الجَنةَ" بإذنِ اللهِ "فإذا أنا بنَهرٍ يَجري" يَفيضُ ماؤُه في الجَنَّةِ "بَياضُه بياضُ اللَّبَنِ" في اللَّونِ الجَميلِ "وأحلى مِنَ العَسَلِ" في لَذَّةِ الطَّعمِ "وحافَّتاه" جانِباه وضَفَّتاه "خِيامُ اللُّؤلؤِ" يُوجَدُ على حافَّتَيْه قِبابٌ مِن جَوهرِ اللُّؤلُؤِ، "فضَرَبتُ بيَدِي" أدخَلتُ يَدِي إلى ما يَجري فيه الماءُ، "فإذا الثَّرى مِسكٌ أذفَرُ"، بمَعنى أنَّ مُكوِّناتِ طينَتِه مِن طِيبِ المِسكِ شَديدِ الرَّائِحةِ الطَّيِّبةِ، "فقُلتُ لِجِبريلَ: ما هذا؟ فقال: هذا الكَوثَرُ الذي أعطاكَه اللهُ" والمَعنى: هذا هو النَّهرُ الذي مَنَحكَ اللهُ إيَّاه كَرامةً وفَضلًا.
وقيل: إنَّ الكَوثرَ مَعناه الخَيرُ الكَثيرُ الذي جَمَعَه اللهُ تَعالى لِنَبيِّه في الآخِرةِ، ويَدخُلُ فيه الحَوضُ، وقيلَ: الكَوثَرُ حَوضٌ أُعطيَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في الجَنَّةِ، وليس نَهرًا، ولكِنَّ هذا الحَديثَ يَدُلُّ على أنَّ الكَوثَرَ نَهرٌ، ويُمكِنُ الجَمعُ بَينَ هذه الأقوالِ والرِّواياتِ المُختلِفةِ بأنَّه نَهرٌ له حَوضٌ، ويَجتَمِعُ النَّاجونَ الفائِزونَ على حَوضِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فيَشرَبونَ منه خارِجَ الجَنَّةِ، والنَّهرُ يَجري في الجَنَّةِ، ويَشرَبُ منه مَن دَخَلَها بفَضلِ اللهِ ورَحمَتِه.
وفي الحَديثِ: بَيانُ فَضلِ اللهِ على نَبيِّه محمدٍ، وبَيانُ مَكانَتِه عِندَ اللهِ سُبحانَه.