علَّم رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صَحابتَه رِضوانُ اللهِ عليهم صِيغَةَ ردِّ السَّلامِ على أهلِ الكِتابِ (وهمُ اليهودُ والنَّصارَى)؛ فأمَرهم أن يَقولوا لهم: «وعليكمْ» فقط دُون الإتْيانِ بالصِّيغةِ الكامِلةِ، وقدْ جاء في البُخارِيِّ مِن رِوايةِ أَنَسٍ رضِيَ اللهُ عنه سَبَبُ هذا الأمرِ؛ قال: «مرَّ يَهوديٌّ برَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: السَّامُ عليكَ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: وعَلَيْكَ، فقال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أَتَدْرُونَ ما يقولُ؟ قال: السَّامُ عليكَ. قالوا: يا رسولَ اللهِ، ألَا نَقْتُلُه؟ قال: لا، إذا سلَّم عليكم أهلُ الكتابِ فقولوا: وعليكم».
والسَّامُ هو الموتُ، وفي رواية لِمُسلِم: «أنَّ أصحابَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قالوا للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنَّ أهلَ الكتابِ يُسلِّمون علينا؛ فكيف نَرُدُّ عليهم؟ قال: قولوا: وعليكمْ»، أي: وعليكم دُعاؤكم؛ إنْ خيْرًا فخيرٌ، وإنْ شرًّا فشَرٌّ. وقيلَ: إنَّ لَفظَ «وعليْكم» يُقتَصَرُ عليْه فَقطْ إذا تأكَّدَ للإنسانِ أنَّهم قَصَدوا سُوءًا، كَما قال اليَهودُ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «السَّامُ عليْك»، أمَّا إذا قالوا خيْرًا فلا بأْسَ بإجابَتِهم بـ«وعليْكم السَّلامُ»؛ لعُمومِ قَولِه تعالَى {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء: 86].
وقد نَهى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المسلمين أن يَبتَدِئوا غيْرَ المُسلِمينَ مِن الذِّميِّينَ والمُعاهَدِينَ بالسَّلامِ، كما في صَحيحِ مُسلمٍ عن أبي هُرَيرةَ رضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: «لا تَبْدَؤوا اليهودَ ولا النَّصارَى بالسلامِ».
وفي الحَديثِ: كَمالُ الأدبِ والإنصافِ مع الكُفَّارِ؛ فيُجابُ على سَلامِه مع احتِمالِ أنَّه يَدعُو على المسلِم.