‌‌مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه912

مسند احمد

‌‌مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه912

حدثنا عبيدة، عن حميد الطويل، قال: سئل أنس بن مالك عن رفع الأيدي، فقال: قام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة بعض المسلمين، فقال: يا رسول الله، قحط المطر، أجدبت الأرض، هلك المال. قال: فاستسقى، فرفع يديه حتى رأيت بياض إبطيه، وما نرى في السماء سحابة، فقام فصلى حتى جعل يهم القريب الدار الرجوع إلى أهله من شدة المطر، قال: فمكثنا سبعا، فلما كانت الجمعة، قالوا: يا رسول الله، تهدمت البيوت، واحتبس الركبان، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اللهم حوالينا ولا علينا ". قال: فتكشفت عن المدينة (1)

الجفافُ وعدمُ نُزولِ المطَرِ من أشدِّ الأمورِ على الحياةِ كلِّها؛ ولذلك يَنبَغي على المسلِمِ إذا شَكَا القَحطَ أن يَلجَأَ إلى اللهِ ويَطلُبَ منه السُّقْيا بالدُّعاءِ والتَّضرُّعِ والتَّذلُّلِ له، وإظهارِ كاملِ الافتِقارِ له.
وفي هذا الحديثِ : "شَكا النَّاسُ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم قُحوطَ المطَرِ"، أي: عدَمَ نُزولِه وانحِباسَه، "فأمَر بمِنبَرٍ"، أي: ليَصعَدَ وليَخطُبَ في النَّاسِ عليه، "فوُضِع له في المُصَلَّى"، أي: في الخَلاءِ خارِجَ المسجِدِ، "ووعَد النَّاسَ يومًا يَخرُجون فيه"، أي: حدَّد لهم النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم موعِدًا يَخرُجون فيه إلى الصَّلاةِ.
قالت عائشةُ: "فخرَج رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم حينَ بدَا حاجِبُ الشَّمسِ"، أي: في أوَّلِ طُلوعِ الشَّمسِ مِن مَشرِقِها، "فقَعَد على المِنبَرِ فكبَّر صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم وحَمِد اللهَ عزَّ وجلَّ، ثمَّ قال: إنَّكم شكَوتُم جدْبَ دِيارِكم"، أي: ما أصابَكم في دِيارِكم مِن قَحْطٍ، "واستِئْخارَ المطَرِ عن إبَّانِ زَمانِه عَنكُم"، أي: شَكَوتُم قِلَّةَ الأمطارِ وتأخُّرَ نُزولِه عن وقتِه المعتادِ، "وقد أمَرَكم اللهُ عزَّ وجلَّ أن تَدْعوه ووَعَدَكم أن يَستَجيبَ لَكُم"، وذلك في قولِه تعالى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60].
ثمَّ بدَأ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم يَدْعو اللهَ ويُعلِّمُهم ماذا يَقولون وكيف يتَضرَّعون إلى اللهِ، فقال: "الحمدُ للهِ ربِّ العالَمينَ"؛ بيانٌ لحَمدِ اللهِ عزَّ وجلَّ على كلِّ حالٍ في السَّرَّاءِ والضَّرَّاءِ، "الرَّحمنِ الرَّحيمِ"، أيِ: المُفيضِ على عبادِه جميعًا بالنِّعَمِ، "مَلِكِ يومِ الدِّينِ، لا إلهَ إلَّا اللهُ يَفعَلُ ما يُريدُ"، أي: مُتصَرِّفٌ في أحوالِ ملَكوتِه وعِبادِه، "اللَّهمَّ أنتَ اللهُ لا إلهَ إلَّا أنتَ الغنيُّ"، أي: بذَاتِه عن العَبدِ وعبادتِه، "ونحن الفُقراءُ"، أي: المُحتاجون إليه، "أنزِلْ علينا الغَيثَ"، أي: الماءَ الَّذي يُغِيثُنا ويُنجِّينا مِن الهلَكةِ، "واجعَلْ ما أنزَلتَ لنا قوَّةً وبَلاغًا إلى حينٍ"، أي: نتَقوَّى به ونَبلُغُ به آجالَنا في غيرِ مَضَرَّةٍ.
 "ثمَّ رفَع يدَيه فلَم يزَلْ في الرَّفعِ حتَّى بَدا بَياضُ إبْطَيْه"، أي: مِن شِدَّةِ مُبالَغتِه في الرَّفعِ، وإظْهارِ التَّذلُّلِ والافتِقَارِ للهِ عزَّ وجلَّ، "ثمَّ حوَّل إلى النَّاسِ ظهْرَه"، أي: مُستقبِلًا للقِبْلةِ، "وقَلَب- أو حوَّل- رِداءَه وهو رافعٌ يدَيْه"، أي: جعَل باطِنَه ظهرًا وظهرَه بطنًا، أو أنَّه جعَل أسفَلَه إلى أعلى وأعلاه إلى أسفَلَ.
قالت عائشةُ رضِيَ اللهُ عنها: "ثمَّ أقبَل على النَّاسِ"، أي: تحَوَّل إليهِم، "ونزَل"، أي: عَنِ المنبَرِ، "فصلَّى ركعتَينِ، فأنشَأَ اللهُ سَحابةً"، أي: أوجدَها وأظهَرَها، "فرعَدَت وبرَقَت"، أي: ظهَر بها الرَّعدُ والبرقُ، "ثمَّ أمطرَت بإذنِ اللهِ، فلم يأتِ"، أي: فلم يَرجِعِ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم ويَدخُلْ "مَسجِدَه حتَّى سالَتِ السُّيولُ"؛ إشارةً إلى غَزارَةِ المطَرِ وسُرعتِه، "فلَمَّا رأى"، أي: النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم، "سُرعتَهم"، أي: أصحابِه رَضِي اللهُ عَنْهم "إلى الكِنِّ"، والكِنُّ كلُّ ما يَحْمي من المطَرِ، "ضَحِك صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم حتَّى بدَتْ نواجِذُه"، أي: ضَحِك ضَحِكًا ظاهرًا حتَّى ظهَرَت أسنانُه وأضراسُه, فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم: "أشهَدُ أنَّ اللهَ على كلِّ شيءٍ قديرٌ، وأنِّي عبدُ اللهِ ورسولُه"، أي: أشهَدُ على قدرةِ اللهِ على كلِّ شيءٍ، ومِنه إنزالُ المطَرِ، ثمَّ شَهِد لنَفسِه بالرِّسالةِ؛ لأنَّ ما أخبَرَ به عنِ اللهِ حقٌّ وقد استَجاب اللهُ له.
وفي الحديثِ: الحثُّ والتَّرغِيبُ في الدُّعاءِ عندَ الحَاجَةِ.