مسند علي بن أبي طالب رضي الله عنه 206
حدثنا بهز، وأبو كامل قالا: حدثنا حماد، - قال بهز: قال - أخبرنا هشام بن عمرو الفزاري، عن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي، عن علي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في آخر وتره (2) : " اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك " (3)
قَوْلُهُ: "بِرِضَاكَ" : أَيْ: مُتَوَسِّلًا بِرِضَاكَ مِنْ أَنْ تَغْضَبَ عَلَيَّ.
"بِكَ مِنْكَ" : أَيْ: أَنْتَ الَّذِي تُخَافُ لِعَظَمَتِكَ، وَتُرْجَى لِإِحْسَانِكَ، فَهَذَا كَالْإِجْمَالِ بَعْدَ شَيْءٍ مِنَ التَّفْصِيلِ، وَإِلَّا فَالتَّعَوُّذُ مِنَ الذَّاتِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنِ الصِّفَاتِ غَيْرُ ظَاهِرٍ.
"لَا أُحْصِي ثَنَاءً" : أَيْ: لَا أَسْتَطِيعُ فَرْدًا مِنْ ثَنَائِكَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ نَعْمَائِكَ، وَالْعُمُومُ مَأْخُوذٌ مِنَ التَّنْكِيرِ، وَهَذَا بَيَانٌ لِكَمَالِ عَجْزِ الْبَشَرِ.
"أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ" : أَيْ: أَنْتَ الَّذِي أَثْنَيْتَ عَلَى ذَاتِكَ ثَنَاءً يَلِيقُ بِكَ، فَمَنْ يَقْدِرُ عَلَى أَدَاءِ حَقِّ ثَنَائِكَ; فَالْكَافُ زَائِدَةٌ، وَالْخِطَابُ فِي عَائِدِ الْمَوْصُولِ بِمُلَاحَظَةِ الْمَعْنَى.
وَيُحْتَمَلُ: أَنَّ "الْكَافَ "بِمَعْنَى "عَلَى"، وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ; أَيْ: أَنْتَ ثَابِتٌ عَلَى أَوْصَافٍ أَثْنَيْتَ بِهَا عَلَى نَفْسِكَ، وَالْجُمْلَةُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي مَحَلِّ التَّعْلِيلِ.
وَفِيهِ إِطْلَاقُ النَّفْسِ عَلَيْهِ تَعَالَى بِلَا مُشَاكَلَةٍ. وَقِيلَ: "أَنْتَ" تَأْكِيدٌ لِلْمَجْرُورِ فِي "عَلَيْكَ"، فَهُوَ مِنَ اسْتِعَارَةِ الْمَرْفُوعِ الْمُنْفَصِلِ مَوْضِعَ الْمَجْرُورِ الْمُتَّصِلِ; إِذْ لَا مُنْفَصِلَ فِي الْمَجْرُورِ، وَ"مَا" مَصْدَرِيَّةٌ، وَالْكَافُ بِمَعْنَى: مِثْلُ صِفَةُ ثَنَاءٍ.