‌‌مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه943

مسند احمد

‌‌مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه943

حدثنا بهز، حدثنا حماد، حدثنا هشام بن زيد قال: سمعت أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليفعل " (1

شَجَّعَتِ الشَّريعَةُ الإسْلاميَّةُ على إعْمارِ الأرضِ وزِراعَتِها، كما رغَّبَتِ المُسلِمَ ليكونَ إيجابِيًّا في كُلِّ أحْوالِه، وأنْ يكونَ نافِعًا لنَفْسِهِ ولغَيْرِه، وقد حَثَّ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على كُلَّ فِعلٍ من أفعالِ البِرِّ والإحْسانِ والصَّدَقَةِ والنَّفْعِ للغير حتَّى ولو لم يَرَ الفاعلُ ثَمرتَه، كما قال في هذا الحَديثِ: "إنْ قامَتِ السَّاعَةُ "، أي: إذا ظَنَّ أحَدُكُم ظَنًّا أكيدًا أنَّ القِيامَةَ بأشْراطِها ومُواصَفاتِها قد قامَتْ "وفي يَدِ أحَدِكُم فَسِيلَةٌ"، أي: نَبْتَةٌ صَغيرةٌ مِنَ النَّخْلِ، "فإنِ اسْتَطاعَ أنْ لا تَقومَ حتى يَغْرِسَها فلْيَغْرِسْها"، أي: يَزْرَعُها في التُّرْبَةِ، ولا يَتْرُكُ عَمَلَ الخَيْرِ والنَّفْعِ، وهذه مُبالَغَةٌ وحَثٌّ على فِعلِ الخَيْرِ حتى في أحْلَكِ الظُّروفِ، ولو ظَنَّ صاحِبُه انْعِدامَ الانْتِفاعِ به، ومِن أنْواعِ الخَيْرِ غَرْسُ الأَشْجارِ وحَفْرُ الآبارِ لتَبْقَى الدُّنْيا عامِرَةً إلى آخِرِ أَمَدِها، فكما غَرَسَ غَيْرُك ما شَبِعْتَ به؛ فاغْرِسْ لِمَنْ يَجِيءُ بعدَك، وقد ذَكَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في أحاديثَ أُخْرى فَضْلَ الغَرْسِ والزَّرْعِ، لِمَا فيه من إِطْعامِ الناسِ والطَّيْرِ والدَّوابِّ، ولِمَا فيه من تَوْفيرِ الأقْواتِ، وكما يَدُلُّ هذا الحَديثُ على أنَّ عَمَلَ الإنْسانِ الخَيْرَ بيَدِهِ أَمْرٌ مَحْمودٌ.
وفي الحَديثِ: الحضُّ على استمراريَّةِ العملِ في الخَيرِ إلى آخِرِ لَحظةٍ في العُمُرِ.