‌‌مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه945

مسند احمد

‌‌مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه945

حدثنا بهز، حدثنا حماد بن سلمة، قال: أخبرنا أبو عمران الجوني، وحميد، عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " دخلت الجنة فرأيت قصرا من ذهب، فقلت: لمن هذا؟ قالوا: لفتى من قريش، فظننته لي، فإذا هو لعمر " قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما منعني يا أبا حفص أن أدخله، إلا ما أعرف من غيرتك " قال: قال: يا رسول الله، من كنت أغار عليه، فإني لم أكن لأغار (3) عليك

كان النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُحِبُّ البشر، وكان يَزُفُّ البُشرياتِ لأصحابِه، فإذا علِمَ لأحدِهم خيرًا عندَ اللهِ أخبَرَه به؛ تَبشيرًا وحَضًّا على المزيدِ من العملِ الصَّالحِ، كما يقولُ بُريدةُ بنُ الحُصيبِ رضِيَ اللهُ عنه في هذا الحديثِ: "أصبَحَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ"، أي: أصبَحَ ذاتَ يومٍ، "فدعا بِلالًا"، أي: طلَبَه ليأتِيَه، فقال صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "يا بِلالُ، بِمَ سَبْقتني إلى الجنَّةِ؟" أي: بأيِّ شَيءٍ فعلْتَه سَبْقتني إلى الجنَّة؟ وكان النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رأى بِلالًا في رُؤيا، وسِباقُ بِلالٍ للنَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في الجنَّةِ لا يُنافي كونَه صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أوَّلَ مَن يَدخُلُها يومَ القِيامةِ؛ وذلك أنَّه لم يقُلْ في هذه الرِّؤيا: إنَّه يدخُلُها قبْلَه يومَ القِيامةِ، وإنَّما رَآه أمامَه في مَنامِه، وهذَا مِنْ بابِ البُشرَى والحَثِّ على المدَاومَةِ على الطَّاعةِ.
قال صلَّى الله عليه وسلَّم: "ما دخلْتُ الجنَّةَ قطُّ إلَّا سمِعْتُ خَشْخشتَك أمامي، دخلْتُ البارحةَ الجنَّةَ"، أي: دخلْتُ الجنَّةَ اللَّيلةَ الماضيةَ كيفما شاء اللهُ، "فسمِعْتُ خَشْخشتَك أمامي" والخَشْخشةُ: حركةٌ لها صوتٌ كصَوْت النُّحاسِ أو السِّلاحِ، وقيل: هو صوتُ مِشْيَةِ بِلالٍ بين يديْه صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على سَبيلِ الخِدْمةِ، كما جرَتِ العادةُ بتقدُّمِ بعضِ الخدَمِ بين يديْ مَخدومِه، وإنَّما أخبَرَه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ بما رآه؛ ليَطِيبَ قلْبُه، ويُداوِمَ على ذلك العملِ، ولتَرغيبِ السَّامعين إليه.
"فأتيْتُ على قَصْرٍ مُربَّعٍ مُشرِفٍ"، أي: له شُرفةٌ بارزةٌ من بِنائِه، "من ذهَبٍ، فقلْتُ"، أي: لِمَن معه من الملائكةِ، "لِمَن هذا القصرُ؟ قالوا: لرجُلٍ من العربِ، فقلْتُ: أنا عربيٌّ، لِمَن هذا القصرُ؟ قالوا: لرجُلٍ من قُريشٍ، فقلْتُ: أنا قُرشيٌّ، لِمَن هذا القصرُ؟ قالوا: لرجُلٍ من أُمَّةِ محمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قلْتُ: أنا محمَّدٌ، لِمَن هذا القصرُ؟ قالوا: لعُمرَ بنِ الخطَّابِ"

. وفي روايةِ أحمدَ: "فقال رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "لولا غيرتُك يا عمرُ لَدخلْتُ القصرَ".

 فقال: يا رسولَ اللهِ، ما كُنْتُ لِأغارَ عليك"، أي: وَدَّ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ دُخولَ قَصْرِ عمرَ، لولا مَعرفِتُه صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بغَيرةِ عمرَ رضِيَ اللهُ عنه، وكان يشتهِرُ بها في عهْدِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وبين الصَّحابةِ رضِيَ اللهُ عنهم.
فقال بِلالٌ رضِيَ اللهُ عنه مُبيِّنًا عِلْمَه الَّذي يعتقِدُ أنَّه أوصَلَه إلى هذه المكانةِ: "يا رسولَ اللهِ، ما أذَّنْتُ قطُّ إلَّا صلَّيتُ رَكعتينِ"، أي: ما أردْتُ التَّأذينَ إلَّا صَلَّيتُ رَكعتينِ نفْلًا قبْلَ الأذانِ، وقيل: ما أذَّنْتُ إلَّا صَلَّيتُ قبْلَ الإقامةِ رَكعتَينِ، "وما أصابني حدَثٌ قطُّ" والحدَثُ هو ما ينقُضُ الوُضوءَ؛ من بولٍ، أو غائطٍ، أو ريحٍ، "إلَّا توضَّأْتُ عندها، ورأيتُ أنَّ للهِ عليَّ رَكعتينِ"، أي: اعتقدْتُ في نفْسي، أو اخترْتُ لنَفْسي أنْ أُصلِّيَ للهِ رَكعتَينِ بعدَ تَجديدِ الوُضوءِ من الحدَثِ مع المُواظبةِ على ذلك، فقال رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "بهما"، أي: بهما نِلْتَ ما نِلْتَ، أو عليك بهما وداوِمْ عليهما، أو إنَّك بهاتَينِ الخَصلتينِ دخلْتَ الجنَّةَ؛ بدوامِ الطَّهارةِ وتَمامِها، ثمَّ أداءِ شُكْرِ الوُضوءِ.
وفي الحديثِ: بَيانُ مَنقبَةٌ ظاهرةٌ لبِلالِ بنِ رَباحٍ وعمرَ بنِ الخطَّابِ رضِيَ اللهُ عنهما.
وفيه: تَنبيهٌ على التَّزوُّدِ بالأعمالِ الصَّالحةِ الَّتي تُؤدِّي إلى دُخولِ الجنَّةِ.
وفيه: فَضيلةُ الوضوءِ والرَّكعتَينِ بعدَ الوُضوءِ.