مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه946
مسند احمد
حدثنا بهز، حدثنا عكرمة بن عمار، حدثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري، عن عمه أنس بن مالك قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدا (1) في المسجد وأصحابه معه، إذ جاء أعرابي فبال في المسجد، فقال أصحابه: مه مه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تزرموه دعوه "، ثم دعاه فقال له: " إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من القذر والبول والخلاء "، أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنما هي لقراءة القرآن وذكر الله والصلاة ". فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل من القوم: " قم فأتنا بدلو من ماء، فشنه عليه " فأتاه (2) بدلو من ماء فشنه عليه
كانَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مُعلِّمًا رَحيمًا، ومُؤدِّبًا رَفيقًا، ومُربِّيًا حَليمًا، فكانَ إذا رأى خَطأً لا يُعنِّفُ ولا ويَزجُرُ ولا يُنفِّرُ، وإذا رأى صَوابًا مدَحَهُ، وأثْنى عليهِ وشَكرَ له.
وفي هذا الحديثِ أنَّ أعرابيًّا -وهو الذي يسكُنُ الصَّحراءَ من العَرَبِ-، بَالَ في المسجِدِ، فقام إليه النَّاسُ ليؤذُوه بالضَّربِ ونحْوِه، فأمَرَهم رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يتركُوه حتَّى يُتِمَّ بَوْلَه، ولا يَقطَعوه عنه، وأن يَصُبُّوا على مَوضِعِ بَولِه دَلْوًا كَبيرًا مِن الماءِ؛ ووضَّح لهم أنَّ هذا من يُسْرِ الشَّريعةِ وسماحتِها، وأنَّهم إنما بُعِثوا «مُيَسِّرِينَ» في تَعليمِ النَّاسِ أمْرَ دِينِهم، ولم يُبعَثوا «مُعَسِّرِينَ»، وهو تَأكيدٌ لقولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «مُيسِّرين» مُبالَغةً في التَّيسيرِ.
وقد بيَّن له صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خطَأَه وأرشده للصَّوابِ، كما في روايةٍ أُخرى في صحيحِ مُسلمٍ، من حديثِ أنَسِ بنِ مالكٍ رضِيَ اللهُ عنه، وفيه: «إنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم دعاه فقال له: إنَّ هذه المساجِدَ لا تصلُحُ لشيءٍ من هذا البَولِ ولا القَذَرِ، إنما هي لذِكرِ اللهِ عزَّ وجَلَّ، والصَّلاةِ، وقراءةِ القُرآنِ».
وفي الحَديثِ: حُسنُ تَعليمِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ورِفْقُه.
وفيه: الرِّفقُ بالجاهِلِ وتعليمُه ما يَلزَمُه من غيرِ تعنيفٍ ولا إيذاءٍ إذا لم يأتِ بالمخالفةِ استخفافًا أو عنادًا.
وفيه: إثباتُ نجاسةِ بَولِ الآدَميِّ.
وفيه: تَطهيرُ البَولِ في المَسجدِ بصَبِّ الماءِ عليه.