مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه98
مسند احمد
- حدثنا ابن أبي عدي، عن حميد، عن أنس قال: أسلم ناس من عرينة فاجتووا المدينة، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو خرجتم إلى ذود لنا فشربتم من ألبانها " - قال حميد: وقال قتادة: عن أنس " وأبوالها " - ففعلوا. فلما صحوا كفروا بعد إسلامهم، وقتلوا راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤمنا أو مسلما، وساقوا ذود رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهربوا محاربين. فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم في آثارهم، فأخذوا فقطع أيديهم، وأرجلهم، وسمر أعينهم، وتركهم في الحرة حتى ماتوا (1)
في هذا الحَديثِ يُخبِرُ أنسُ بنُ مالكٍ رضِيَ اللهُ عنه: "أنَّ ناسًا من عُرَيْنَةَ" وهُمْ حَيٌّ من قَبيلَةِ بَجيلَةَ من قَبائِلِ العَرَبِ، "قَدِموا على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المدينَةَ"، وفي رِوايةِ البُخاريِّ: "وتكلَّموا بالإسْلامِ"، أي: أَظْهَروهُ، وفي رِوايَةِ مُسْلِمٍ: "فاجْتَوَوْها"، أي: مَرِضوا فيها، وعَظُمَتْ بُطونُهُم من الاسْتِسْقاءِ، فقال لهم النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "لو خَرَجْتُمْ إلى ذَوْدٍ لنا"، أي: جِمالٍ لنا تَرْعَى في الصَّحْراءِ "فَشَرِبْتُم من أَلْبانِها" اسْتِشْفاءً بها، "فَفَعَلوا"، أي: خَرَجوا إلى مَكانِ الإِبِلِ، فشَرِبوا من أَلْبانِها، قال أنسٌ رضِيَ اللهُ عنه: "وارْتَدُّوا عن الإسْلامِ"، أي: كَفروا بعدَ أنْ صَحَّتْ أجْسادُهُم، "فقَتَلوا راعِيَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم واسْتاقوا ذَوْدَهُ"، أي: أَخَذوها ونَهَبوها "فبَعَثَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في طَلَبِهم"، أي: أَرْسَلَ خَلْفَهم مَنْ يَأْتي بِهِم "فقَطَعَ أيْديَهُم وأَرْجُلَهم، وسَمَلَ أَعْيُنَهم"، أي: فَقَأَها، وقد فَعَلَ ذلك مُعاقبةً بمثْلِ ما فَعَلوهُ في الرَّاعي، "وتَرَكَهُم في الحَرَّةِ حتى ماتوا"، أي: تَرَكَهُم في الصَّحْراءِ دُون مُداواةٍ حتى ماتوا، وقد نَزلَتْ فيهم آيةُ المحاربَةِ"، وهي قوْلُهُ تَعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ ورَسُولَهُ ويَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ولَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة: 33]؛ فهذه عُقوبةٌ ونَكالٌ لكُلِّ مَن يَعتدي على غَيرِهِ بالسَّلْبِ والنَّهْبِ والقَتْلِ دُونَ وَجْهِ حَقٍّ، بأنْ يُقتَلَ أو يُصلَبَ أو تُقطَّعَ اليدُ والرِّجْلُ من خِلافٍ، أو يُنْفَى من أرْضِهِ، وتلك العُقوبةُ بمَنزلةِ الخِزْيِ لهم في الدُّنيا، وينتظرُهم مِن الله العذابُ الأليمُ في الآخِرَةِ.
وفي الحديثِ: دليلٌ على التداوي والتطبُّبِ، وعلى طَهارةِ بَولِ مأكولِ اللَّحمِ؛ فإنَّ التداوي بالمحرَّماتِ والنَّجاساتِ غيرُ جائزٍ.
وفيه: أنَّ الجزاءَ مِن جِنْسِ العَمَلِ.