مسند جابر بن عبد الله رضي الله عنه 253
مسند احمد
حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، قال: استأذنت الحمى على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «من هذه؟» قالت: أم ملدم، قال: فأمر بها إلى أهل قباء، فلقوا منها ما يعلم الله، فأتوه، فشكوا ذلك إليه، فقال: «ما شئتم؟ إن شئتم أن أدعو الله لكم فيكشفها عنكم، وإن شئتم أن تكون لكم طهورا» ، قالوا: يا رسول الله، أوتفعل؟ قال: «نعم» ، قالوا: فدعها
جعَلَ اللهُ ابتلاءَ العِبادِ بالمصائِبِ والبلايا والأمراضِ كَفَّاراتٍ لِذُنوبِ أهلِ الإيمانِ، وعُقوبات يُمحِّصُ اللهُ بها مَن شاء مِنهم في الدُّنيا؛ وهي لأهلِ العِصْيانِ كُروبٌ وشَدائِدُ وعذابٌ في الدُّنيا، ومع عدَمِ رِضَاهُم وتَسليمِهم لِقَضاءِ اللهِ؛ فلا يكونُ لهم أجْرٌ في الآخِرةِ
وفي هذا الحَديثِ يقولُ جابرُ بنُ عبدِ اللهِ رضِيَ اللهُ عنهما -في تمامِ الحديثِ في مَواردِ الظَّمآنِ-: "أتَتِ الحُمَّى النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ"، وكأنَّها صُوِّرَتْ إنسانًا، وذهَبَتْ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، "فاستأذَنَتْ عليه"، أي: طلَبَت الإذنَ بالدُّخولِ عليه، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "مَن أنتِ؟ قالت: أنا أمُّ مِلْدَمٍ"، وهي كُنيةُ الحُمَّى، يُقال: ألْدَمَت عليه الحُمَّى، أي: دامَت، وقِيل: من لدمه، أي: لَطَمَه وضرَبَه، واللَّدْمُ: الضَّربُ، فشبَّهوا ما يكونُ مِن الحُمَّى بالضَّربِ الذي يُؤلِمُ، فقال لها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "انْهَدِي إلى أهلِ قُباءَ"، أي: اخْرُجي مِن داخلِ المدينةِ واذْهَبي إلى قُباءَ، وهي موضعٌ بقُربِ المدينةِ مِن جِهَةِ الجنوبِ نحوَ مِيلَينِ، "فأْتِيهم، قال: فأتَتْهم، فحُمُّوا"، أي: أُصِيبوا بالحُمَّى والحرارةِ في أجسادِهم، "ولَقُوا منها شِدَّةً"، أي: تعبًا ومرَضًا، "فقالوا: يا رسولَ اللهِ، ما تَرى ما لَقِينا مِن الحُمَّى؟ قال: إنْ شِئتُم دعَوتُ اللهَ فكشَفَها عنكم"، أي: عافاكم منها وأذْهَبَها عنكم، "وإنْ شِئتُم كانت طَهورًا"، أي: تَبقى على أنْ يكونَ بَقاؤها تَطهيرًا لِذُنوبِكم، "قالوا: بل تكونُ طَهورًا"، أي: كان اختيارُهم بَقاءها؛ رَغبةً في تَطهيرِ الذُّنوبِ، وهذا لا يُنافي التَّعبُّدَ بالدُّعاءِ؛ لأنَّه قد يكونُ مِن جُملةِ الأسبابِ في طُولِ العُمرِ أو رَفْعِ المرَضِ، وقد تواتَرَتِ الأحاديثُ بالاستعاذةِ مِن الجُنونِ والجُذامِ، وسَيِّئِ الأسقامِ، ومُنكَراتِ الأخلاقِ والأهواءِ والأدواءِ
وفي الحديثِ: التَّرغيبُ في الصَّبرِ على المرَضِ وثوابُ ذلك
وفيه: أنَّ البلايا والأمراضَ كفَّاراتٌ للذُّنوبِ والخطايا