مسند جابر بن عبد الله رضي الله عنه 264
مسند احمد
حدثنا إسماعيل هو ابن علية، عن الجريري، عن أبي نضرة، قال: كنا عند جابر بن عبد الله، قال: يوشك أهل العراق أن لا يجبى إليهم قفيز، ولا درهم، قلنا: من أين ذاك؟ قال: من قبل العجم، يمنعون ذلك، ثم قال: يوشك أهل الشام أن لا يجبى إليهم دينار، ولا مدي، قلنا: من أين ذاك؟ من قبل الروم يمنعون ذاك، قال: ثم سكت هنيهة، ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يكون في آخر أمتي خليفة، يحثو المال حثوا، لا يعده عدا» ، قال الجريري: فقلت لأبي نضرة: وأبي العلاء: «أتريانه عمر بن عبد العزيز؟» فقالا: «لا»
جعَلَ اللهُ لقُربِ يومِ القيامةِ عَلاماتِ السَّاعةِ الصُغرى والكُبرى الَّتي لنْ تَقومَ القِيامةُ إلَّا بَعدَ وُقوعِها، والفَرقُ بيْنَ العَلاماتِ الصُّغرَى والكُبرَى: أنَّ الكُبرى تكونُ أقرَبَ لقيامِ السَّاعةِ، وعَدَدُها قَليلٌ، ومُتتاليةٌ، ولم يَقَعْ شَيءٌ منها حتَّى الآنَ، أمَّا الصُّغْرى فهي كثيرةٌ ومُتباعِدةٌ، ووقَعَ كَثيرٌ منها
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ جابرُ بنُ عَبدِ اللهِ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه يَكادُ يَقترِبُ الزَّمانُ الَّذي لا يَأتي فيه إلى أهلِ العِراقِ قِفيزٌ ولا دِرهَمٌ، أي: يُمنَعُوا الجِزيَةَ والخَراجَ والزَّكاةَ، والقفيزُ: مِكيالٌ مَعروفٌ لأهلِ العِراقِ، وهو 12 صاعًا، ويُعادِلُ تقريبًا نحوَ (24.5 كيلو جرامًا)، فسَأل التَّابعيُّ أبو نَضرةَ المُنذِرُ بنُ مالكٍ ومَن معَهُ: مَن الَّذي سيَمنَعُهُم ولأيِّ شَيءٍ يكونُ عدَمُ جِبايةِ قَفيزٍ ولا دِرهمٍ إليهم؟ وسَببُ سُؤالِهم وتَعجُّبِهم أنَّهم كانوا في وَقتِ عِزَّةٍ للإسلامِ، وكانت أموالُ الجِزيةِ والخَراجِ تَتَوالَى على المُسلِمينَ مِن كُلِّ مَكانٍ، فقالَ جابرٌ رَضيَ اللهُ عنه: «مِن قِبَلِ العجَمُ» وهو اسمٌ يُطلَقُ على كلِّ مَن لا يَتكلَّمُ العربيَّةَ، والمُرادُ بِهم هنا: الفُرْسُ، فإنَّهم هم مَن يَمنعونَ أهلَ العِراقِ عن دَفعِ ذلك إلى أُمراءِ المسْلِمين، ثمَّ أخبَرَ جابرٌ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ أهْلَ الشامِ أيضًا يُوشِكُ أنْ يُمْنَعُوا الدِّينارَ مِن الخراجِ والزَّكاةِ، والمدْيَ، والمديُ: مِكيالٌ مَعروفٌ لأَهلِ الشَّامِ، وهوَ يسَعُ 22.5 صاع، ويُعادِلُ تقريبًا نحوَ (46 كيلو جرامًا)، وأنَّ مَن يَمنعُهُم ذلكَ همُ الرُّومُ، وسَببُ ذلك ما وَرَد عندَ البُخاريِّ مِن حَديثِ أبي هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه، أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: «تُنتهَكُ ذِمَّةُ اللهِ وذِمَّةُ رَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فيَشُدُّ اللهُ عزَّ وجلَّ قُلوبَ أهلِ الذِّمَّةِ، فيَمنَعون ما في أيْدِيهم»، فيَجعَلُ قُلوبَهم تَقوَى على المُسلِمينَ، ويَنزِعُ مَهابَتَهم منها، فيَمتَنِعونَ مِن أداءِ ما وَجَبَ عليهم مِنَ الجِزيةِ وغَيرِها، فلا يَأخُذُ المُسلِمونَ منهم شَيئًا، فتَضيقُ أحوالُهم
ثمَّ سكَتَ جابرٌ هُنيَّةً، و"الهُنيَّةُ": القَليلُ مِن الزَّمانِ، وقالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «يَكونُ في آخِرِ أمَّتي» أي: في آخر الزمان يكون هناك خليفة على المسلمين، «يَحْثي المالَ حثيًا»، والحَثْو: ما أُخذَ بالكفِّ مَبسوطَةً، وقيلَ: هيَ كالحَفْنَةِ وهيَ ما يَملأُ الكفَّينِ، وقولُه: «لا يَعدُّه عَددًا»، أي: أنَّه يَكثُرُ عنده المالُ فيُعْطي النَّاسَ بكَثرةٍ لا يَحصُرُها عدٌّ؛ لكَثرةِ الأَموالِ والغَنائمِ والفُتوحاتِ وانتشارِ العدْلِ، قيل: هذا الخليفةُ هو المَهْديُّ الَّذي سيَخرُجُ في آخِرِ الزَّمانِ
وفي الحديثِ: دَليلٌ مِن دَلائلِ نُبوَّتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ
وفيه: بُشْرى برُجوعِ عَهدِ الخِلافةِ