مسند جابر بن عبد الله رضي الله عنه 357
مسند احمد
حدثنا زيد بن الحباب، حدثني حسين بن واقد، عن أبي الزبير، قال [ص:388]: سمعت جابرا، يقول: مر النبي صلى الله عليه وسلم برجل يقلب ظهره لبطن، فسأل عنه، فقالوا: صائم يا نبي الله، فدعاه، فأمره أن يفطر، فقال: «أما يكفيك في سبيل الله، ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى تصوم»
الشَّريعةُ الإسلاميَّةُ قائِمةٌ على التَّيسيرِ، ومِن أنواعِ التَّيسيرِ الرُّخصةُ في الإفطارِ في رَمَضانَ للمُسافِرِ
فيُشرَعُ للمُسافِرِ أن يُفطِرَ في رَمَضانَ، ولا يَشُقَّ على نَفسِه، لا سيَّما إذا كان الصِّيامُ يُضعِفُه أو قد يُؤَدِّي به إلى الهَلاكِ، يَقولُ اللهُ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 183، 184]، وقد مَرَّ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على رَجُلٍ، وكانوا في سَفرٍ كما في رِوايةٍ أُخرى: أنَّهم سافَروا في غَزوةٍ مَعَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في رَمَضانَ، وكان هذا الرَّجُلُ صائِمًا واشتَدَّ عليه الصِّيامُ، حَتَّى إنَّه كان يَقلِبُ ظَهرَه لبَطنٍ كِنايةً عن شِدَّةِ الجوعِ، فلَمَّا مَرَّ به النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو على هذه الحالِ سَألَ عنه: ما له؟ فقالوا: صائِمٌ يا نَبيَّ اللهِ. فدَعاه رَسولُ اللهِ، وأمَرَه أن يُفطِرَ، وقال له: أمَا يَكفيك في سَبيلِ اللهِ، ومَعَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، حَتَّى تَصومَ! أي: يَكفيك مِنَ الأجرِ والفضيلةِ أنَّك خَرَجتَ في الجِهادِ في سَبيلِ اللهِ ومَعَ رَسولِ اللهِ، فلماذا تَشُقُّ على نَفسِك بالصِّيامِ؛ ولهذا جاءَ في رِوايةٍ: أنَّهم كانوا مَعَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في غَزوةٍ، فإذا برَجُلٍ تَحتَ شَجَرةٍ يُرَشُّ عليه الماءُ، فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ما بالُ صاحِبِكُم هذا؟، قالوا: يا رَسولَ اللهِ، إنَّه صائِمٌ، فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ليس مِنَ البِرِّ أن تَصوموا في السَّفَرِ؛ فعليكُم برُخصةِ اللهِ التي رَخَّصَ لَكُم. وفي الصَّومِ في السَّفرِ خِلافٌ مَحَلُّه كُتُبُ الفِقهِ
وفي الحَديثِ مَشروعيَّةُ الإفطارِ في السَّفَرِ
وفيه فضيلةُ الجِهادِ في سَبيلِ اللهِ
وفيه عَدَمُ مَشروعيَّةِ أن يَشُقَّ الإنسانُ على نَفسِه بالأعمالِ حَتَّى يُؤَدِّيَ به ذلك إلى الضَّعفِ والهَلاكِ