مسند جابر بن عبد الله رضي الله عنه 377

مسند احمد

مسند جابر بن عبد الله رضي الله عنه 377

حدثنا عبد الصمد، وأبو سعيد، المعنى، قالا: حدثنا زائدة [ص:406]، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر، قال: توفي رجل فغسلناه، وحنطناه، وكفناه، ثم أتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عليه، فقلنا: تصلي عليه؟ فخطا خطى، ثم قال: «أعليه دين؟» قلنا: ديناران، فانصرف، فتحملهما أبو قتادة، فأتيناه، فقال أبو قتادة: الديناران علي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حق الغريم، وبرئ منهما الميت؟» قال: نعم، فصلى عليه، ثم قال بعد ذلك بيوم: «ما فعل الديناران؟» فقال: إنما مات أمس، قال: فعاد إليه من الغد، فقال: لقد قضيتهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الآن بردت عليه جلده» ، وقال معاوية بن عمرو في هذا الحديث: فغسلناه، وقال: فقلنا: تصلي عليه

الدُّيونُ شأْنُها عندَ اللهِ عظيمٌ؛ لأنَّها يَرتبِطُ بها حقوقُ العِبادِ، وقد حذَّرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يَترُكَ الإنسانُ الدُّنيا وعليه دَينٌ، أو لا يَحرِصَ على قَضائِه
وفي هذا الحَديثِ يقولُ جابرُ بنُ عبدِ اللهِ رضِيَ اللهُ عنهما: "تُوفِّيَ رجُلٌ منَّا"، أي: إنَّ هناك رجُلًا مِن أصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مات، "فغسَّلْناه، وحنَّطْناه، وكفَّناهُ، ثم أتَيْنا به رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقُلْنا: تُصلِّي عليه؟" أي: جهَّزَه أصحابُه لدَفْنِه؛ مِن غُسلٍ، وتَحنيطٍ -وهو وضْعُ الطِّيبِ للميِّتِ- وتكفينٍ -وهي الثِّيابُ التي يُغطَّى بها- حتى جاء وقتُ صَلاةِ الجنازةِ، فسأَلُوا النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الصلاةَ عليه، "فخَطا خُطًى"، أي: لِيُصلِّيَ عليه، "ثم قال: أعَلَيه دَينٌ؟" وكأنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ توقَّفَ بعدَ هَمِّه بالصلاةِ عليهِ، ثم سأَلَ عن تَرْكِه لِدَينٍ، وهذا كان مِن عادتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ أنْ يَسأَلَ عن دَينِ الميِّتِ، "قُلْنا: دِينارانِ. فانصرَفَ"، أي: انصرَفَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن الصلاةِ عليه، "فتَحمَّلَهما أبو قَتادةَ؛ فقال أبو قَتادةَ: الدِّينارانِ عليَّ"، أي: إنَّه سيُؤدِّي عن الميِّتِ الدِّينارينِ؛ طلَبًا لصَلاةِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على الميِّتِ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "حقُّ الغَريمِ، وبرِئَ الميِّتُ منهما؟" أي: يا أبا قَتادةَ، تَتحمَّلُ الدِّينارينِ، فيَصِيرانِ دَينًا عليك أنتَ، والميِّتُ لا عَلاقةَ له بهما، فإذا جاء أصحابُ الدَّينِ لِيَأخُذوا دَينَهم أخَذُوه منك أنتَ، فالغُرماءُ سيَأْتُونك أنتَ، والميِّتُ قد برِئَ منهم بتَحمُّلِك إيَّاهم؟ قال أبو قَتادةَ رضِيَ اللهُ عنه: "نعمْ"، أي: أكَّدَ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تَحمُّلَه للدَّينِ. قال جابرٌ رضِيَ اللهُ عنه: "فصلَّى عليه"، أي: صلَّى عليه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ صلاةَ الجنازةِ؛ فهي رَحمةٌ للميِّتِ، وفي رِوايةِ أحمَدَ: ثم قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لأبي قَتادةَ بعْدَ الجنازةِ بيَومٍ: "ما فعَلَ الدِّينارانِ؟" وكأنَّه لم يكن الوقْتُ مُسعِفًا في الانشِغالِ بالقضاءِ، يَسأَلُه عن قَضاءِ الدِّينارينِ لأصحابِها وما تَكفَّلَ به عن الميِّتِ، وفيه دَعوةٌ إلى استعجالِ سَدادِ الدَّينِ عن الميِّتِ، فقال أبو قَتادةَ رضِيَ اللهُ عنه: "إنَّما مات أمْسِ"، أي: اعتَذَرَ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وكأنَّ عُذرَه لانشغالِه بالجنازةِ
قال جابرٌ رضِيَ اللهُ عنه: "فعاد إليه مِن الغَدِ"، أي: عاد أبو قَتادةَ صباحَ اليومِ التالي على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقال: "لقد قضَيْتُهما"، أي: قَضى ما عليه مِن دَينٍ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "الآنَ برَّدْتَ عليه جِلْدَه"، أي: نجَا مِن العذابِ الذي كان سيَقَعُ عليه بسَببِ هذا الدَّينِ
وفي الحديثِ: حِرْصُ الصَّحابةِ بعضِهم على بَعضٍ، وتحمُّلُهم لأعباءِ إخوانِهم
وفيه: السَّعيُ في قَضاءِ الدَّينِ وتحمُّلِه عن الميِّتِ إنْ لم يَكُنْ ذا مالٍ يُقْضى به عنه