مسند عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، عن النبي صلى الله عليه وسلم 395
حدثنا يعقوب، حدثنا أبي، عن ابن إسحاق، حدثني إسماعيل بن أمية بن عمرو بن سعيد، عن أبي الزبير المكي، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لما أصيب إخوانكم بأحد، جعل الله عز وجل أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة، تأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل من ذهب في ظل العرش، فلما وجدوا طيب مشربهم ومأكلهم، وحسن مقيلهم (1) قالوا: يا ليت إخواننا يعلمون بما صنع الله لنا، لئلا يزهدوا في الجهاد، ولا ينكلوا عن الحرب، فقال الله عز وجل: أنا أبلغهم عنكم " فأنزل الله عز وجل هؤلاء الآيات على رسوله: {ولا تحسبن الذين قتلوا} [آل عمران: 169]
للشهداء مكانة عظيمة عند الله سبحانه وتعالى، ويكرمون بدءا من سيلان أول قطرة من دمائهم، ثم دفن أجسادهم وصعود أرواحهم ودخولهم الجنة، وفي هذا الحديث يخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن أصحابه الذين قتلوا في سبيل الله في غزوة أحد، وما أعده لهم الله عز وجل من نعيم الجنة الذي لا ينقطع، فيقول صلى الله عليه وسلم: "لما أصيب إخوانكم بأحد" بالقتل في سبيل الله عز وجل في غزوة أحد، وكانت في شوال في السنة الثالثة من الهجرة، وأحد جبل من جبال المدينة، وكانت الغزوة بين قريش والمسلمين، "جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر"، أي: في طير من طيور الجنة، لونها أخضر حتى تتلذذ أرواحهم في نعيم الجنة، "ترد من أنهار الجنة وتأكل من ثمارها" بمعنى أنها تسير وترعى وتتناول من ثمراتها ولذاتها حيث شاءت، "وتأوي"، أي: ترجع، "إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش" وهذه القناديل هي منازلهم التي يأوون إليها، وهذه كرامة عظيمة أن تكون منازلهم معلقة في عرش الرحمن عز وجل، "فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم"، أي: لما وجد الشهداء ما هم فيه من طيب المأكل وطيب المشرب، فهم يأكلون من ثمار الجنة، ويشربون من أنهارها، ومن طيب المقيل، وأصل المقيل المكان الذي يؤوى إليه للاستراحة وقت الظهيرة والنوم فيه، فلما وجدوا كل هذا النعيم، "فقالوا: من يبلغ إخواننا عنا أنا أحياء في الجنة نرزق"، أي: من يبلغ إخواننا الذين في الدنيا، أننا أحياء في الجنة ننعم فيها، حتى لا يزهدوا في الجهاد في سبيل الله بل ليرغبوا في تحصيل هذا الأجر العظيم، "وينكلوا عند الحرب"، أي: لا يجبنوا ويخافوا من الحرب، "فقال الله عز وجل: أنا أبلغهم عنكم؛ فأنزل الله: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون} [آل عمران: 169]. وقد قيل: إن هذه الآية نزلت في حمزة ومصعب بن عمير لما أصيبا في غزوة أحد.
وقيل: نزلت تنفيسا لأولياء الشهداء، وإخبارا عن حال قتلاهم؛ فإنهم كانوا إذا أصابتهم نعمة أو سرور تحسروا وقالوا: نحن في النعمة والسرور، وأبناؤنا في القبور، فبشرهم الله بأن الشهداء مكرمون عند الله