مسند جابر بن عبد الله رضي الله عنه 283
مسند احمد
حدثنا يحيى بن سعيد، عن شعبة، حدثنا محمد بن عبد الرحمن، عن محمد بن عمرو بن الحسن، عن جابر بن عبد الله، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في سفر، فرأى رجلا عليه زحام قد ظلل عليه، فقال: «ما هذا؟» قالوا: صائم، قال: «ليس من البر الصيام - أو البر الصائم - في السفر»
شُرِعَت الرُّخَصُ في العِباداتِ لِمَن لا يَقدِرُ ولا يَقْوَى على الأخْذِ بالعَزيمةِ؛ رَحمةً مِن اللهِ عزَّ وجلَّ ورِفْقًا بعِبادِه، فلا يُنقَصُ مِن قَدْرِ مَن أخَذَ بها ولا يُعابُ بها، بلْ إنَّ الأخذَ بالرُّخصةِ في مَوضعِها مِثلُ الأخْذِ بالعَزيمةِ في مَوضعِها أيضًا
وفي هذا الحَديثِ يَرْوي جابرُ بنُ عبدِ اللهِ الأنصاريُّ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان في سَفَرٍ، فرَأى قومًا مُجتمِعينَ حَولَ رجُلٍ قدْ جُعِلَ عليه شَيءٌ يُظلِّلُه مِن الشَّمسِ؛ لِما حَصَل له مِن شِدَّةِ العطَشِ والتَّعَبِ، فسَأَلَهم النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ماذا أصاب صاحبَكم؟ فبَيَّنوا أنَّ سَببَ ضَعْفِه كان لصَومِه ولم يَأخُذْ برُخصةِ الإفطارِ في السَّفرِ، فأخْبَرَهم صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه ليس مِن حُسنِ الطَّاعةِ والعِبادةِ الصَّومُ في السَّفرِ إذا بلَغَ بالصَّائمِ هذا المَبلَغَ مِن المَشقَّةِ، واللهُ قد رخَّص للصَّائمِ بالفِطْرِ، سواءٌ كان الصِّيامُ فَرْضًا أو تَطوُّعًا، وقد جاءتِ الرُّخصةُ بفِطرِ المسافرِ في قَولِ اللهِ تعالَى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185]، ويَتأكَّدُ الفطرُ إذا كان المسافرُ في حَجٍّ أو جِهادٍ؛ لِيَقْوى عليه
وقد وَرَدَ مَشروعيَّةُ الصِّيامِ للمُسافرِ إذا قَوِيَ عليه، كما في الصَّحيحَينِ عن أبي الدَّرداءِ رَضيَ اللهُ عنه قال: «خرَجْنا مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في بَعضِ أسفارِه في يومٍ حارٍّ، حتى يَضَعَ الرَّجلُ يَدَه على رَأسِه مِن شِدَّةِ الحَرِّ، وما فِينا صائمٌ إلَّا ما كان مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وابنِ رَواحةَ»
وفي الحديثِ: بيانُ يُسْرِ شَريعةِ الإسلامِ
وفيه: دَعوةٌ إلى الرِّفقِ بالنفْسِ في العِباداتِ، وقَبولِ رُخَصِ المَولى عزَّ وجلَّ