مسند جابر بن عبد الله رضي الله عنه 407
مسند احمد
حدثنا روح، حدثنا ابن جريج، أخبرني أبو الزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله، يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الدجال أعور، وهو أشد الكذابين»
أخبَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بأحداثِ آخِرِ الزَّمان قَبلَ قيامِ السَّاعةِ، وأوضَحَ للأُمَّةِ الفِتنَ العظيمةَ التي ستُحدِقُ بالنَّاسِ، فبيَّنَ لهم كيف يَفعَلون في هذه المِحَنِ، وكيف يَحتَمُون منها
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ عبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قامَ في النَّاسِ يَخطُبُهم، «فأَثْنى على اللهِ بما هو أهلُه»، أي: حَمِدَ اللهَ بما يَستحِقُّه منَ المَحامِدِ والشُّكرِ، ثُمَّ ذَكَرَ لهُمُ الدَّجَّالَ، يُحذِّرُهم منه ومن فِتنتِه العظيمةِ، والدَّجَّالُ مِنَ الدَّجلِ، وهو التَّغطيةُ، سُمِّي به؛ لأنَّه يُغطِّي الحَقَّ بباطِلِه، وهو شَخصٌ من بني آدَمَ، وظُهورُه منَ العلاماتِ الكُبرى ليَومِ القيامةِ، يَبتَلي اللهُ به عِبادَه، وأقدَرَه على أشياءَ من مَقدوراتِ اللهِ تَعالَى: من إحياءِ الميِّتِ الذي يَقتُلُه، ومِن ظُهورِ زَهرةِ الدُّنيا والخِصبِ معه، وجَنَّتِه ونارِه، ونَهرَيهِ، واتِّباعِ كُنوزِ الأرضِ له، وأمرِه السَّماءَ أن تُمطِرَ فتُمطِرَ، والأرضَ أن تُنبِتَ فتُنبِتَ؛ فيَقَعُ كلُّ ذلك بقُدرةِ اللهِ تَعالَى ومَشيئتِه
ثُمَّ قالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «إنِّي لَأُنذِركُموه، ما من نَبيٍّ إلَّا وقد أَنْذَرَه قوْمَه»، والإنذارُ هو التَّحذيرُ من أمرٍ شديدٍ وخطيرٍ، وقد حذَّرَ الأنبياءُ أُمَمَهم منَ الدَّجَّالِ، وإنَّما كانَ هذا منَ الأنبياءِ عليهم السَّلامُ لِما عَلِموه من عظيمِ فِتنةِ الدَّجَّالِ، وشِدَّةِ مِحنتِه، ولأنَّهم لمَّا لم يُعيَّن لواحدٍ منهم زمانُ خُروجِه، تَوقَّعَ كلُّ واحدٍ منهم خُروجَه في زمانِ دَعوتِه وأمَّتِه، فبالَغَ في التَّحذيرِ، وفائدةُ هذا الإنذارِ الإيمانُ بوُجودِه، والعَزمُ على مُعاداتِه، ومُخالَفتِه، وإظهارِ تَكذيبِه، وصِدقِ الالتجاءِ إلى اللهِ تَعالَى في التَّعوُّذِ من فِتنتِه
و«لقد أنْذرَه نُوحٌ قوْمَه»، وخصَّ نُوحًا عليه السَّلامُ بالذِّكرِ لأنَّه أوَّلُ الرُّسُلِ، ومع ذلك أنذَرَ قومَه منه، وهذا دليلٌ على أنَّه خارِجٌ لا مَحالةَ
ثُمَّ أخبَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه سيَقولُ في الدَّجَّالِ كَلامًا لم يَقُلْه نَبيٌّ لقومِه؛ وذلك بما أطلَعَه اللهُ عليه وخصَّه به على غيرِه منَ الأنبياءِ عليهمُ السَّلامُ، وذلك حتَّى يَحذَرَ النَّاسُ منه، ويَعرِفونَه إذا خَرَجَ فيهم، فأخبَرَ أنَّ الدَّجَّال أعوَرُ العينِ، له عينٌ بارزةٌ جاحِظةٌ، وهو أعورُ العَينِ اليُمنى، كما جاءَ في حديثِ ابنِ عُمَرَ في الصَّحيحَينِ، وهذه صِفةُ نَقصٍ وتَنقُّصٍ، وأخبَرَ أنَّ لله تَعالَى صِفاتِ الكمالِ، فليس العَوَرُ من صِفاتِه، فلا تَغترُّوا بالدَّجَّالِ، وهذا تَنبيهٌ للعُقولِ القاصِرةِ أوِ الغافِلةِ على أنَّ من كانَ ناقصًا في ذاتِه، عاجزًا عن إزالةِ نقصِه؛ لا يَصلُحُ أن يَكُونَ إلهًا، ومَن كانَ عاجزًا عن إزالةِ نقصِه كانَ أعجَزَ عن نفعِ غيرِه، وعن مَضرَّتِه
وفي الحديثِ: عَلَامةٌ من عَلَاماتِ نُبوَّتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ
وفيه: بَيانُ عَلاماتِ الدَّجَّالِ حتَّى يَحذَرَه النَّاسُ
وفيه: بيانُ كمالِ شَفقةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بأمَّتِه
وفيه: إثباتُ صفةِ البصرِ لله تَعالَى على الوجه الذي يَليقُ به سُبحانَه؛ من غيرِ تَعطيلٍ ولا تَمثيلٍ
وفيه: أنَّ لله عزَّ وجلَّ الكمالَ التَّامَّ في صِفاتِه