مسند جابر بن عبد الله رضي الله عنه 446
مسند احمد
حدثنا حسن، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا أبو الزبير، قال: سألت جابرا، أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في كثرة خطا الرجل إلى المسجد شيئا؟ فقال: هممنا أن ننتقل من دورنا إلى المدينة لقرب المسجد، فزجرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وقال: «لا تعروا المدينة، فإن لكم فضيلة على من عند المسجد بكل خطوة [ص:458] درجة»
كَثرةُ الخُطَا إلى المساجِدِ مِن أعظمِ أبوابِ الأجرِ والثَّوابِ، وكُلَّما بَعُدَ المسجِدُ، وكانتِ الخُطُواتُ كَثيرةً؛ كان الثَّوابُ أكبرَ
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ جابرُ بنُ عَبدِ اللهِ رَضِي اللهُ عنهما أنَّ دِيارَهم كانت بَعيدةً عنِ المَسجدِ، فكانوا يَسكُنون أطرافَ المدينةِ، وهي دِيارُ بَني سَلِمةَ؛ قومٌ مِن الأنصارِ، فأرادُوا أنْ يَبيعُوا هذِهِ الدِّيارَ لبُعدِها، ويَشترُوا دِيارًا قَريبةً مِنَ المَسجدِ، وذلك ليُجاوِروا رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، فنَهاهُمُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم عن ذلكَ، وبيَّن لهم الأَجرَ الَّذي غابَ عنهُم، وقالَ لهم: «إنَّ لكم بكلِّ خُطوةٍ دَرَجةً»، فكلَّما بَعُدَ بَيتُك عن المَسجدِ كانَ في كلِّ خُطوةٍ مِن خُطواتِكَ مَنزلةٌ عاليةٌ في الجنَّةِ، وكلَّما كانتِ الخُطا أكثَرَ كانَ الأجرُ أعظَمَ وأكثَرَ، وهذا حثٌّ منه صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم لهم على البقاءِ في مَنازلِهم وعدَمِ تَركِها، كما في حَديثِ أنسٍ رَضِي اللهُ عنه عندَ البُخاريِّ: «فَكَرِهَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم أنْ تُعْرَى المَدِينَةُ»، أي: أنْ تَخْلُوَ أجزاءٌ مِن المدينةِ مِن النَّاسِ والبيوتِ، فأرادَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم ببَقائهِم أنْ تَبْقى جِهاتُ المدينةِ عامِرةً بسَاكِنِيها؛ لِيَعظُمَ المسلِمونَ في أعيُنِ المنافقينَ والمشرِكينَ إرهابًا لهم وغِلظةً عليهم، ولم يُصرِّحْ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم بذلك لهم، واكْتَفَى بأنْ ذَكَرَ لهم المَصلحةَ الواضحةَ الخاصَّةَ بهم؛ لِيكونَ ذلك أدْعَى لهم على المُوافَقةِ، وأبعَثَ على نَشاطِهم إلى البَقاءِ في دِيارِهم
وفي الحَديثِ: بَيانُ حرْصِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم على أُمَّتِه، وإرشادِهم إلى الخَيرِ والإكثارِ منه