مسند جابر بن عبد الله رضي الله عنه 594
مسند احمد
حدثنا عبد الصمد، وعفان، قالا: حدثنا حماد، قال عفان في حديثه: أخبرنا أبو الزبير، وقال عبد الصمد في حديثه: حدثنا أبو الزبير، عن جابر بن عبد الله، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «رأيت كأني في درع حصينة، ورأيت بقرا منحرة، فأولت أن الدرع الحصينة المدينة، وأن البقر نفر، والله خير» ، قال: فقال لأصحابه: «لو أنا أقمنا بالمدينة فإن دخلوا علينا فيها قاتلناهم» ، فقالوا: يا رسول الله، والله ما دخل علينا فيها في الجاهلية، فكيف يدخل علينا فيها في الإسلام؟ - قال عفان في حديثه: فقال: «شأنكم إذا» - قال: فلبس لأمته، قال: فقالت الأنصار: رددنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيه، فجاءوا [ص:100]، فقالوا: يا نبي الله، شأنك إذا، فقال: «إنه ليس لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل»
كانت غَزوةُ أُحُدٍ في السَّنةِ الثالثةِ مِن الهِجرةِ، وقد كانتْ فيها دُروسٌ لا تُنْسى لِجَميعِ المسلِمينَ، وتَعلَّموا فيها أنَّ أوامِرَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَجِبُ ألَّا تُخالَفَ، وقد استُشهِدَ في هذه الغزوةِ سَبْعون شهيدًا مِن خِيرَةِ المُسلِمينَ
وهذا المتْنُ جُزءٌ مِن حديثٍ فيه قصَّةُ غَزوةِ أُحُدٍ، وفيه يَروي جابرُ بنُ عبدِ اللهِ رضِيَ اللهُ عنهما: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: "رأَيتُ"، أي: في المنامِ، "كأنِّي في دِرعٍ حَصينةٍ"، أي: ألْبَسُ دِرعًا قويًّا، "ورأَيتُ بَقرًا مُنَحَّرةً"، أي: بقَرًا مَذبوحًا، "فأوَّلْتُ"، أي: فسَّرْتُ هذه الرُّؤيَا، "أنَّ الدِّرعَ المدينةُ، والبقَرَ نَفَرٌ"، أي: أفرادٌ مِن الناسِ يُقتَلون في الحرْبِ، وفي نُسخةٍ: "تَأوَّلْتُ البقَرَ التي رأيتُ بَقْرًا يكونُ فِينا، قال: فكان ذلك مَن أُصِيبَ مِن المسلمينَ"، والبَقْرُ هو شَقُّ البطْنِ، ثمَّ قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "واللهُ خيرٌ"، أي: واللهُ وحُكمُه خيرٌ لنا، وكأنَّ هذه الرُّؤيا خيرٌ مِن اللهِ؛ لِتَحذيرِهم، ولذلك قال لهم: "فإنْ شِئتُم أقَمْنا بالمدينةِ"؛ لِحِمايتِها ممَّن يَدخُلُها والتَّحصُّنِ في الطُّرقاتِ والبيوتِ، ولكنَّهم رَفَضوا وقالوا: "ما دُخِلَت علينا في الجاهليَّةِ"، أي: ما هاجَمَ المدينةَ علينا أحدٌ في الجاهليةِ، "أفتُدْخَلُ علينا في الإسلامِ؟!" والمعنى: أنَّنا لنْ نَبقى في المدينةِ، بل سنَخرُجُ للدِّفاعِ عنها مِن خارجِها، "قال: فشأْنَكم إذَنْ"، أي: إنَّ الأمْرَ لكمْ في ذلك، "قال: فلَبِسَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لَأْمَتَه"، وهي عُدَّةُ الحرْبِ مِن السِّلاحِ والدُّروعِ، "فقالوا: ما صنَعْنا؟!" كأنَّهم رَجَعوا إلى أنفُسِهم وعَلِموا خطَأَهم، "رَدَدْنا على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رأْيَه؟! فجاؤوا فقالوا: شأْنَك يا رسولَ اللهِ"، أي: افعَلْ ما شِئتَ، ونحن نَفعَلُ مِثلَ فِعلِك، "قال: الآن!" بمعنى ليس لنا الآنَ أنْ نَرجِعَ عن عَزْمِنا بعدَما كان، "ليس لِنَبيٍّ إذا لَبِسَ لَأْمَتَه أنْ يَضَعَها حتى يُقاتِلَ"، أي: إنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تجهَّزَ للحرْبِ واستعَدَّ لها بلُبْسِ عُدَّتِه ودُروعِه، وليس له أنْ يَرجِعَ في أمْرٍ حسَمَه إلَّا أنْ يُقاتِلَ حتى يَحكُمَ اللهُ بيْنه وبيْن أعدائِه
وفي الحديثِ: أنَّ البلاءَ يقَعُ على الناسِ بسَببِ مُخالَفتِهم أمْرَ اللهِ ورسولِه
وفيه: أخْذُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ برَأْيِ أصحابِه ومَشورتِهم في أُمورِ الدُّنيا ومَصالحِها