حديث النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم 22
مستند احمد
حدثنا يحيى بن سعيد، عن زكريا، قال: حدثنا عامر، قال: سمعت النعمان بن بشير يخطب يقول، وأومأ بأصبعه إلى أذنيه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " مثل القائم على حدود الله، والواقع فيها، المدهن فيها، مثل قوم ركبوا سفينة، فأصاب بعضهم أسفلها، وأوعرها، وشرها، وأصاب بعضهم أعلاها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا الماء، مروا على من فوقهم، فآذوهم، فقالوا: لو خرقنا في نصيبنا خرقا، فاستقينا منه، ولم نؤذ من فوقنا، فإن تركوهم وأمرهم، هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم، نجوا جميعا "
الأمرُ بالمَعروفِ والنَّهيُ عن المنكَرِ مِن أجَلِّ العِباداتِ؛ فَبِه يَقومُ أمرُ المسلمينَ، ويَنصَلِحُ حالُ أُمَّتِهم، وبدُونِه تَنهَدِمُ هذه الأُمَّةُ
وفي هذا الحديثِ يَضرِبُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مَثَلًا لأهَمِّيَّةِ القيامِ بالأمرِ بالمَعروفِ والنَّهيِ عن المنكَرِ، فمَثَّل القائمينَ بِحُدودِ اللهِ -وهم المُستَقِيمون على أمرِ الله، الآمِرُون بالمعروفِ النَّاهُون عن المنكرِ- والواقعين في حدود الله -أي: التارِكين للمعروف، والمرتكبين للمنكر- بِرُكَّابٍ رَكِبوا في سَفِينةٍ، تَنازَعوا مَن يكونُ في أعْلاها ومَن يكونُ في أسْفَلِها، فاقْتَرَعوا على مَن يَجلِسُ أعلَى السَّفِينَةِ ومَن يَجلِسُ أسْفَلَها، فنال بَعضُهم بالقُرعةِ أعْلاها، وبَعضُهم نالَ بالقُرعةِ أسْفَلَها، وكان الَّذين في الأسفَلِ إذا أرادوا جَلْبَ الماءِ مَرُّوا على مَن فَوقَهم مِن أهْلِ الأدوارِ العُلْيا، وفي مَوضعٍ آخَرَ في صَحيحِ البُخاريِّ قال: «فتَأذَّوا به»، ففي ذَهابِهم وإيابِهِم وإمرارِهم بالماءِ عليهم أذيَّةٌ لمَن همْ في أعْلى السَّفينةِ، فقال الذين في الأسفَلِ: لو أنَّا خَرَقْنا خَرْقًا في نَصِيبِنا الَّذي في الأسفَلِ، فجَلَبْنا الماءَ مُباشَرةً دونَ أنْ نَصعَدَ لأعلَى السَّفينةِ ونَضُرَّ مَن في الأعلَى؛ لَكان أفضَلَ، وفي رِوايةٍ في البُخاريِّ قال: «فأخَذَ فأْسًا، فجَعَلَ يَنقُرُ أسفَلَ السَّفينةِ»، فلو ترَكَهم مَن بالأعْلى يَفعَلون ذلك، لَغَرِقَتِ السَّفينةُ بهمْ جميعًا؛ لأنَّ مِن لازِمِ خَرْقِ السَّفينةِ غَرَقُها وأهْلِها. ولو قامُوا بِنَهْيِهم عن ذلك ومَنَعوهم مِن ارتِكابِ هذا الخَطأِ، لَنَجى الفريقانِ جَميعًا
فهذا حالُ الآمِرِين بالمعروفِ النَّاهِين عن المنكَرِ، لو تَرَكوا ذلك لَهلَكَتِ الأُمَّةُ بأَجْمَعِها، ولو فَعَلوه ونَهَوُا النَّاسَ عن المُنكَرِ لَصَلَح حالُ الجميعِ