باب المناقب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم58-1
سنن الترمذى
حدثنا بشر بن آدم ابن ابنة أزهر السمان قال: حدثني جدي أزهر السمان، عن ابن عون، عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك لنا في يمننا». قالوا: وفي نجدنا. فقال: " اللهم بارك لنا في شامنا، وبارك لنا في يمننا. قالوا: وفي نجدنا. قال: " هنالك الزلازل والفتن، وبها، أو قال: منها يخرج قرن الشيطان «هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه من حديث ابن عون» وقد روي هذا الحديث أيضا عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم
وفي هذا الحَديثِ بيانٌ لبعضِ ذلك، حيثُ دعا النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِلشَّامِ واليمَنِ بالبَرَكةِ، فقال: «اللَّهمَّ بارِكْ لنا في شامِنا، وفي يَمَنِنا»، والشامُ هي البلادُ الواقعةُ شَمالَ الجزيرةِ العربيَّةِ، وكانتْ مَصدَرَ تِجارَتِهم وأقواتِهم، وتَضُمُّ الآنَ سُوريَةَ والأرُدنَّ ولُبنانَ وفِلَسطينَ. واليمنُ هي البلادُ الواقعةُ جَنوبَ الجزيرةِ العَربيَّةِ على ساحلِ البحرِ الأحمَرِ، وكانت أيضًا مَصدرًا لتِجارَتِهم وأقواتِهم، وكانوا يَقومون برِحلةٍ إلى اليمنِ في الشِّتاءِ، ورِحلةٍ إلى الشامِ في الصَّيفِ؛ للتِّجارةِ وجَلْبِ البضائعِ والطَّعامِ.
فقال بَعضُ أصحابِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «وفي نَجْدِنا»، يعني: وادْعُ اللهَ أيضًا أنْ يُبارِكَ في نَجْدٍ، وهي ما ارتَفَعَ مِن بِلادِ العرَبِ إلى أرضِ العِراقِ، فكرَّرَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ دُعاءَه ولم يَذكُرْ نَجْدًا، فكرَّروا عليه طلَبَ الدُّعاءِ لِنَجْدٍ، فقالَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «هُناكَ الزَّلازلُ والفِتنُ، وبها يَطلُعُ قَرْنُ الشَّيطانِ»، يعني: في هذه الأراضي تكونُ الزَّلازلُ، ومنها تَخرُجُ الفِتنُ، وبها يَطلُعُ قرْنُ الشَّيطانِ، أي: جماعتُه وحِزْبُه، وقيل: هذه الأرضُ هي الَّتي يَأتي مِن جِهتِها الدَّجَّالُ؛ أعظمُ فِتنةٍ تُصيبُ النَّاسَ.
وقيل: المُرادُ بهذا الحديثِ: ما ظهَرَ بالعِراقِ مِن الفِتَنِ العظيمةِ والحُروبِ الهائلةِ؛ كوَقعةِ الجَمَلِ، وحُروبِ صِفِّينَ، وحَرُوراءَ، وفِتَنِ بني أُميَّةَ، وخُروجِ الخوارجِ؛ فإنَّ ذلك كان أصْلُه ومَنبعُه العِراقَ ومَشْرِقَ نَجْدٍ، وتلك مَساكنُ رَبيعةَ ومُضَرَ إذْ ذاك، واللهُ أعلَمُ.