مسند جابر بن عبد الله رضي الله عنه 622
مستند احمد
حدثنا أبو المغيرة، حدثنا معان بن رفاعة، حدثنا أبو الزبير، عن جابر بن عبد الله، قال: لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائم هوازن بين الناس بالجعرانة، قام رجل من بني تميم، فقال: اعدل يا محمد، فقال: «ويلك، ومن يعدل إذا لم أعدل، لقد خبت وخسرت إن لم أعدل» قال: فقال عمر: يا رسول الله، ألا أقوم فأقتل هذا المنافق، قال: «معاذ الله أن تتسامع الأمم أن محمدا يقتل أصحابه» ، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن هذا وأصحابا له يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين، كما يمرق المرماة من الرمية» ، قال معاذ: فقال لي أبو الزبير: فعرضت هذا الحديث على الزهري فما خالفني، إلا أنه قال: النضي؟ قلت: القدح، فقال: «ألست برجل عربي؟»
مِنَ الفِرَقِ الضَّالَّةِ التي أخبَرَ عَنها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وذَكَرَ بَعضَ صِفاتِهم
وحَذَّرَ مِنهم: فِرقةُ الخَوارِجِ، الذينَ يُكَفِّرونَ أهلَ الإسلامِ بالمَعاصي ويَستَحِلُّونَ دِماءَهم، ويَخرُجونَ على أئِمَّةِ المُسلِمينَ ويُقاتِلونَهم، وقد خَرَجوا في عَهدِ الخَليفةِ الرَّاشِدِ عَليِّ بنِ أبي طالبٍ رَضيَ اللهُ عنه، وقاتَلَهم عليٌّ في مَعرَكةِ النَّهروانِ، وقد كانت بدايةُ ظُهورِ أصلِهم في زَمَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عِندَما اعتَرَضَ أحَدُهم على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في قِسمَتِه للغَنائِمِ، فبَينَما كان رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقسِمُ غَنائِمَ غَزوةِ هَوازِنَ بَينَ النَّاسِ بالجِعْرانةِ، وهيَ مِنطَقةٌ قَريبةٌ مِن مَكَّةَ على بُعدِ 20 كيلو في الشَّمالِ الشَّرقيِّ مِنها، قامَ رَجُلٌ مِن بَني تَميمٍ، أي: مِن قَبيلةِ تَميمٍ، فقال لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: اعدِلْ يا مُحَمَّدُ! فقال رَسولُ اللهِ: وَيْلَك! أي: الوَيلُ لَك، ومَن يَعدِلُ إذا لَم أعدِلْ؟! لَقد خِبتَ وخَسِرتَ إن لَم أعدِلْ. رُويَ بفتحِ التَّاءِ في خِبتَ وخَسِرتَ وبضَمِّهما فيهما، ومَعنى الضَّمِّ: يعودُ الضَّميرُ على الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأمَّا مَعنى الفتحِ: خِبتَ أنتَ أيُّها التَّابعُ إذا كُنتُ لا أعدِلُ؛ لكَونِك تابعًا ومُقتَديًا بمَن لا يَعدِلُ، والفتحُ أشهَرُ. فقال عُمَرُ: يا رَسولَ اللهِ، ألَا أقومُ فأقتُلُ هذا المُنافِقَ؟! فقال رَسولُ اللهِ: مَعاذَ اللَّهِ، أي: حاشا للهِ أن تَتَسامَعَ الأُمَمُ، أي: أن يَسمَعَ النَّاسُ أنَّ مُحَمَّدًا يَقتُلُ أصحابَه؛ مِمَّا يُؤَدِّي بهم إلى أن لا يُسلِموا، ثُمَّ قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنَّ هذا، أي: الرَّجُلَ الذي قال للنَّبيِّ: اعدِلْ، وأصحابًا له، أي: سيَكونُ هو وأصحابٌ مَعَه، يقرؤون القُرآنَ، أي: يَجتَهدونَ في قِراءةِ القُرآنِ لَكِنَّه لا يُجاوِزُ تراقيَهم. والتَّراقي: جَمعُ تَرقوةٍ، وهيَ العِظامُ بَينَ ثُغرةِ النَّحرِ والعاتِقِ، والمَعنى: لا يَخلُصُ عن ألسِنَتِهم وآذانِهم إلى قُلوبِهم، أي: أنَّ قِراءَتَهم لا يَرفعُها اللهُ ولا يَقبَلُها، فكَأنَّها لَم تَتَجاوَزْ حُلوقَهم. وقيلَ المَعنى: أنَّهم لا يَعمَلونَ بالقُرآنِ ولا يثابون على قِراءَتِه، فلا يَحصُلُ لَهم غَيرُ القِراءةِ. يَمرُقونَ، أي: يَخرُجونَ مِنَ الدِّينِ، كما يَمرُقُ المَرماةُ، أي: السَّهمُ الصَّغيرُ، مِنَ الرَّميَّةِ. وهو الصَّيدُ المَرميُّ، شَبَّه مُروقَهم مِنَ الدِّينِ بالسَّهمِ الذي يُصيبُ الصَّيدَ، فيَدخُلُ فيه ويَخرُجُ مِنه، ومِن شِدَّةِ سُرعةِ خُروجِه لقوَّةِ الرَّامي لا يَعلَقُ مِن جَسَدِ الصَّيدِ بشَيءٍ
قال مُعاذٌ: فقال لي أبو الزُّبَيرِ وهو مِن رواةِ الحَديثِ مِنَ التَّابِعينَ: فعَرَضتُ هذا الحَديثَ على الزُّهريِّ، وهو مِن أئِمَّةِ التَّابعينَ، أي: قَرَأتُه عليه، فما خالَفني، إلَّا أنَّه قال: النَّضِيُّ؟ قُلتُ: القِدْحُ. فقال: ألستَ برَجُلٍ عَرَبيٍّ؟ أي: أنَّهما بمَعنًى واحِدٍ. فالنَّضِيُّ هو القِدْحُ. وهو نَصلُ السَّهمِ، ولَعَلَّ سَبَبَ وُرودِ هذا الكَلامِ أنَّ أحَدَهما كان يُفسِّرُ المِرماةَ بالنَّضيِّ، والآخَرُ بالقِدْحِ، واللهُ أعلَمُ
وفي الحَديثِ عَلَمٌ مِن أعلامِ النُّبوَّةِ؛ حَيثُ أخبَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بظُهورِ الخَوارِجِ
وفيه بَيانُ بَعضِ صِفاتِ الخَوارِجِ