مسند جابر بن عبد الله رضي الله عنه 796
مسند احمد
حدثنا كثير بن هشام، حدثنا هشام بن أبي عبد الله، صاحب الدستوائي، عن أبي الزبير [ص:262]، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: خسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم شديد الحر، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه، فأطال القيام حتى جعلوا يخرون، ثم ركع فأطال الركوع، ثم رفع رأسه، فأطال ثم ركع فأطال، ثم رفع فأطال، ثم سجد سجدتين، ثم قام فصنع مثل ذلك، ثم جعل يتقدم، ثم جعل يتأخر، فكانت أربع ركعات، وأربع سجدات، ثم قال: " إنه عرض علي كل شيء توعدونه، فعرضت علي الجنة حتى لو تناولت منها قطفا أخذته - أو قال: تناولت منها قطفا فقصرت يدي عنه، شك هشام - وعرضت علي النار فجعلت أتأخر رهبة أن تغشاكم، فرأيت فيها امرأة حميرية سوداء طويلة تعذب في هرة لها، ربطتها فلم تطعمها، ولم تسقها، ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض، ورأيت أبا ثمامة عمرو بن مالك يجر قصبه في النار، وإنهما آيتان من آيات الله يريكموها، فإذا خسفت فصلوا حتى تنجلي "
خلَقَ اللهُ عزَّ وجلَّ الجنَّةَ والنَّارَ وأَوْجَدَهما بكَيفيَّةٍ يَعلَمُها سُبحانه وتعالَى، وقد كشَف اللهُ تعالى للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الحُجُبَ الَّتي بيْنَه وبيْنَ الجنَّةِ والنَّارِ، وطَوَى المسافةَ الَّتي بيْنَهما حتَّى أمكَنَه أن يَراهما
وفي هذا الحَديثِ يَروي عبدُ الله بنُ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ الشمسَ خَسَفَتْ في زمانِ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وقد ورَد في روايةٍ أخرى أنَّ هذا كان في يَومِ مَوتِ ولدِه إبراهيمَ، وخُسوفُ الشَّمسِ هو ذَهابُ ضَوئِها، وأكثر ما يُعبَّرُ عن الشَّمسِ بالكُسوفِ، وعن القمرِ بالخُسوفِ، ويُعبَّرُ بأحَدِهما عن الآخَرِ، وهذا ما وقَع في هذه الرِّوايةِ. فقام صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وصلَّى بالنَّاسِ، وقد وردَتْ صِفةُ هذه الصَّلاةِ في رِواياتٍ أخرى؛ منها ما رواه البُخاريُّ مِن حديثِ أسماءَ بنتِ أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ رَضيَ اللهُ عنهما، وفيه: «أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ صَلَّى صَلاةَ الكُسوفِ، فقامَ فأطالَ القِيامَ، ثُمَّ رَكَع فأطالَ الرُّكوعَ، ثمَّ قامَ فأطالَ القيامَ، ثمَّ رَكَع فأطالَ الرُّكوعَ، ثمَّ رَفَع، ثمَّ سَجَد فأطالَ السُّجودَ، ثمَّ رَفَع، ثمَّ سَجَدَ فأطالَ السُّجودَ، ثمَّ قامَ فأطالَ القيامَ، ثمَّ رَكَع فأطالَ الرُّكوعَ، ثمَّ رَفَع فأطالَ القيامَ، ثمَّ رَكَع فأطالَ الرُّكوعَ، ثمَّ رَفَع، فسَجَد فأطالَ السُّجودَ، ثمَّ رَفَع، ثمَّ سَجَد فأطالَ السُّجودَ، ثمَّ انصَرَفَ...»؛ فهي ركْعتانِ مِن غيرِ الفريضةِ، تختلِفُ عن باقي الصَّلَواتِ في أنَّها ذاتُ رُكوعَينِ وقِراءتَينِ، ويُسَنُّ فيها إطالةُ القِراءةِ.وحَدَثَ في أثْناءِ صلاةِ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ هذه أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مَدَّ يدَه كأنَّه يُريدُ أن يأخُذَ شَيئًا، ثمَّ تراجَعَ للوَراءِ، فلمَّا انصَرَف مِن صَلاتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سَأله أصحابُه رِضوانُ الله عليهم عن ذلك، فقالوا له: رأَيْناك تَتناوَلُ شيئًا، ثمَّ رأيْناك تَكَعْكَعْتَ، بمعنى: رأيْناك أرَدْتَ أن تأخُذَ شيئًا ثمَّ تراجَعْتَ، فأخبَرهم صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه رأى الجنَّةَ وكشَفَ اللهُ له عن بَعضِ ما فيها مِن النَّعيمِ، وأرادَ أنْ يَتناوَلَ منها عُنْقودًا، ولكنَّه تراجَع عن ذلك، وأخبَرَهم أنَّه لو تَناوَله لهم لأكَلوا منه ما بَقِيَتِ الدُّنيا، ولم يأخُذْه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ لأنَّ طعامَ الجنَّةِ باقٍ أبدًا لا يَفْنَى، ولا يجوزُ أن يُؤكَلَ فى الدُّنيا إلَّا ما يَفْنى؛ لأنَّ اللهَ خَلَقها للفَناءِ، فلا يَكونُ فيها شَيءٌ مِن أُمورِ البَقاءِ
وفي الحديثِ: مَشروعيَّةُ صَلاةِ الكُسوفِ وصِفتُها
وفيه: أنَّ الجنَّةَ والنَّارَ مَخلوقتانِ وموجودتانِ الآنَ بكَيفيَّةٍ يَعلَمُها اللهُ عزَّ وجلَّ