مسند جابر بن عبد الله رضي الله عنه 921
مسند احمد
حدثنا مؤمل، حدثنا سفيان، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم مهلين بالحج، فقدمنا مكة فطفنا بالبيت، وبالصفا، والمروة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أحلوا، واجعلوها عمرة، إلا من ساق الهدي» قال: فسطعت المجامر، ووقعت النساء، فلما كان يوم التروية أهللنا بالحج، قال [ص:355] سراقة بن مالك بن جعشم: يا رسول الله عمرتنا هذه ألعامنا أم للأبد؟ قال: «لا بل للأبد»
التَّمتُّعُ في الحَجِّ هو أنْ يُحرِمَ بالعُمرةِ في أشهُرِ الحَجِّ، ثم يَحِلَّ منها، ثم يُحرِمَ بالحَجِّ مِن عامِه، فإذا قَدِمَ مَكَّةَ في أشهُرِ الحَجِّ واعتَمَرَ وانتَهى مِن عُمرتِه، فلَه أنْ يَتحَلَّلَ مِن إحرامِه، ويَتمَتَّعَ بكُلِّ ما هو حَلالٌ، حتَّى تَبدَأ مَناسِكُ الحَجِّ، وفي يوم التروية وهو اليوم الثامن من ذي الحجة يحرم بالحج من مكانه
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ جابِرُ بنُ عَبدِ اللهِ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّه والصحابةَ رَضيَ اللهُ عنهم خَرَجوا مع رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في حَجَّةِ الوَداعِ عاقِدينَ النِّيَّةَ على الإحرامِ بالحَجِّ، فقَدِموا مَكَّةَ، وكان قُدومُهم صَبيحةَ اليَومِ الرَّابِعِ مِن ذي الحِجَّةِ، فطافوا بالكَعبةِ وسَعَوْا بَينَ الصَّفا والمَروةِ، وأتَمُّوا مَناسِكَ العُمرةِ، فأمَرَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مَن لم يَسُقِ الهَدْيَ منهم أنْ يَفسَخ الحَجَّ إلى العُمرةِ، ويَتَحلَّلَ بالطَّوافِ والسَّعيِ، ويَحْلِق رأسَه، ويَجعَلها عُمرةً؛ فيَكونوا بذلك مُتَمتِّعينَ، واستَثنى مِن ذلك الذي ساقَ معه الهَدْيَ مِنَ المَدينةِ، فيَبقى على نيَّتِه وإحرامِه؛ فلا يَصِحُّ لِمَن ساقَ الهَدْيَ أنْ يَتَحلَّلَ حتى يَنحَرَ هَدْيَه، أمَّا مَن لم يَسُقِ الهَدْيَ فجازَ له أنْ يَحِلَّ، وفي يوم التروية يحرم بالحج من مكانه، وهذا لِبَيانِ مُخالَفةِ ما كانَتْ عليه الجاهِليَّةُ مِن تَحريمِ العُمرةِ في أشهُرِ الحَجِّ، وقد شَرَعَه اللهُ في كِتابِه وبَيَّنَ أحكامَه، حيث قال: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196].قال جابِرٌ رَضيَ اللهُ عنه: "فسَطَعَتِ المَجامِرُ، ووَقَعَتِ النِّساءُ" والمُرادُ أنَّهم تَبَخَّروا، والبَخورُ نَوعٌ مِن أنواعِ الطِّيبِ، وجامَعوا زَوجاتِهم، وفي هذا تأكيدٌ على إحلالِهم في تلك الفَترةِ، "فلَمَّا كان يَومُ التَّرويةِ" وهو يَومُ الثامِنِ مِن ذي الحِجَّةِ، "أهلَلْنا بالحَجِّ"، أي: أحرَموا بالحَجِّ، فسألَ سُراقةُ بنُ مالِكِ بنِ جُعْشُمٍ رَضيَ اللهُ عنه النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "يا رَسولَ اللهِ، عُمرَتُنا هذه"، ويَقصِدُ بها الذين تَمَتَّعوا بالعُمرةِ، ثم أحَلُّوا، ثم أحرَموا لِلحَجِّ، "ألِعامِنا أمْ لِلأبَدِ؟"، أي: أهي خاصَّةٌ بنا وبحالَتِنا هذه، أم أنَّه حُكمٌ عامٌّ يَشمَلُ المُسلِمينَ في جَميعِ الأزمانِ؟ فبَيَّنَ النبيُّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ أنَّ حُكمَ التَّمتُّعِ بالعُمرةِ إلى الحَجِّ جائِزٌ لِلأبَدِ
وفي الحَديثِ: مَشروعيَّةُ التَّمَتُّعِ بالعُمرةِ إلى الحَجِّ