مسند جابر بن عبد الله رضي الله عنه 963

مسند احمد

مسند جابر بن عبد الله رضي الله عنه 963

حدثنا عفان، حدثنا حماد، عن عمار بن أبي عمار، عن جابر بن عبد الله، قال: قتل أبي يوم أحد، وترك حديقتين، وليهودي عليه تمر، وتمر اليهودي يستوعب ما في الحديقتين، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل لك أن تأخذ العام بعضا، وتؤخر بعضا إلى قابل» فأبى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا حضر الجداد فآذني» قال: فآذنته فجاء النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وعمر، فجعلنا نجد ويكال له من أسفل النخل، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو [ص:379] بالبركة حتى أوفيناه جميع حقه من أصغر الحديقتين - فيما يحسب عمار - ثم أتيناهم برطب، وماء فأكلوا، وشربوا، ثم قال: «هذا من النعيم الذي تسألون عنه»

قَضاءُ الدُّيونِ من الأُمورِ الَّتي شدَّدَ فيها الإسلامُ، وألْزَمَ بضَرورةِ سَدادِها، وأمَرَ الأولياءَ بسَدادِ دُيونِ مَوتاهم
وفي هذا الحديثِ يقولُ جابرُ بنُ عبدِ اللهِ رضِيَ اللهُ عنهما: "كان ليهوديٍّ على أبي تمْرٌ"، أي: دَينٌ من تمْرٍ، "فقُتِلَ يومَ أُحدٍ"، أي: قُتِلَ عبدُ اللهِ بنُ حَرامٍ والدُ جابرٍ يومَ غَزوةِ أُحدٍ، "وترَكَ حديقتَينِ، وتمْرُ اليهوديِّ يَستوعِبُ ما في الحديقتَين"، أي: أنَّ دَينَ اليهوديِّ يَستغرِقُ كلَّ إنتاجِ الحديقتَينِ من تمْرٍ، "فقال النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لليهوديِّ: "هلْ لك أنْ تأخُذَ العامَ نصْفَه وتُؤخِّرَ نصْفَه؟"، أي: أنْ يُعَجَّلَ له بنِصْفِ الدَّينِ، ويُؤجَّلَ له النِّصفُ الباقي، وكان جابرٌ قدِ استعانَ برسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على غُرمائِه كما ثبَتَ في الرِّواياتِ، "فأبَى اليهوديُّ"، أي: رفَضَ طلَبَ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقال النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لجابرٍ: "هلْ لك أنْ تأخُذَ الجِدادَ، فآذِنِّي"، وفي روايةِ أحمدَ: "إذا حضَرَ الجِدادُ فآذِنِّي"، أي: أعلِمْني إذا جاء وقْتُ قطْعِ ثِمارِ النَّخلِ وجمْعِه
قال جابرٌ رضِيَ اللهُ عنه: "فآذَنْتُه"، أي: أعلَمْتُ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، "فجاء هو وأبو بكرٍ، فجَعَلَ يُجَدُّ ويُكالُ من أسفلِ النَّخلِ"، أي: فبدَأَ النَّاسُ في قطْعِه وجمْعِه وكَيلِه لليهوديِّ، "ورسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَدْعو بالبركةِ"، أي: يَدْعو اللهَ أنْ يَزيدَ في بركةِ هذا التَّمْرِ، "حتَّى وفَّيْناه جميعَ حَقِّه من أصغرِ الحديقتَينِ- فيما يحسِبُ عمَّارٌ-"، أي: أعطى لليهوديِّ دَيْنَه بما نتَجَ من أصغرِ الحديقتَينِ بعدَ أنْ كان دَيْنُ اليهوديِّ يشمَلُ إنتاجَ الحديقتَينِ، وهذا ببركةِ دُعاءِ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وقولُ الرَّاوي: "فيما يحسِبُ عمَّارٌ"، يقصِدُ: أنَّ اعتبارَ أصغرِ الحَديقتَينِ هي الَّتي شمَلَت دَينَ اليهوديِّ من ظَنِّ عمَّارِ بنِ أبي عمَّارٍ الرَّاوي عن جابرٍ رضِيَ اللهُ عنه
قال جابرٌ رضِيَ اللهُ عنه: "ثمَّ أتيْتُهم"، أي: أتيتُ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ومَن معه من أصحابِه رضِيَ اللهُ عنهم، "برُطَبٍ وماءٍ، فأكَلوا وشَرِبوا"، والرُّطَبُ: ثمَرُ النَّخلِ قبْلَ أنْ يُصبِحَ تمْرًا، وهو أجودُ وأطعَمُ من التَّمْرِ، فقال النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "هذا من النَّعيمِ الَّذي تُسْأَلون عنه"، أي: هذا الأكْلُ الهنيءُ والشَّرابُ الطَّيِّبُ يُعتبَرُ من نَعيمِ الدُّنيا الَّذي سيُحاسِبُ عليه اللهُ عِبادَه؛ هل شَكروا اللهَ وحَمِدوه وأدَّوا حَقَّ هذه النِّعمةِ؟ وهذا إشارةٌ إلى قولِه تعالى: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [التكاثر: 8]
وفي الحديثِ: بَيانُ بَركةِ دُعاءِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ
وفيه: مَشروعيَّةُ التَّوسُّطِ لتأجيلِ الدُّيونِ عن النَّاسِ
وفيه: قضاءُ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حاجةَ أصحابِه، وحُسنُ عِنايتِه بهم