‌‌مسند عبد الله بن العباس بن عبد المطلب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم 103

‌‌مسند عبد الله بن العباس بن عبد المطلب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم 103

حدثنا إسماعيل، أخبرنا علي بن زيد، قال: حدثني عمر بن أبي حرملة، عن ابن عباس، قال: دخلت أنا وخالد بن الوليد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، على ميمونة بنت الحارث، فقالت: ألا نطعمكم من هدية أهدتها لنا أم عفيق (2) ؟ قال: فجيء بضبين مشويين، فتبزق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له خالد: كأنك تقذره؟ قال: " أجل "، قالت: ألا أسقيكم من لبن أهدته لنا؟ فقال: بلى، قال: فجيء بإناء من لبن فشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا عن يمينه، وخالد عن شماله، فقال لي: " الشربة لك وإن شئت آثرت بها (1) خالدا " فقلت: ما كنت لأوثر بسؤرك علي أحدا، فقال: " من أطعمه الله طعاما فليقل: اللهم بارك لنا فيه، وأطعمنا خيرا منه، ومن سقاه الله لبنا فليقل: اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه، فإنه ليس شيء يجزئ مكان الطعام والشراب غير اللبن "

كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا عافَ مِنَ الطَّعامِ شيئًا ترَكه، وفي هذا الحديثِ يَحكِي عبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ رضِيَ اللهُ عنهما: أنَّه كان في بَيْتِ مَيمونةَ رضِيَ اللهُ عنه، وهي ميمونةُ بنتُ الحارِثِ، زَوجُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وكانتْ خالَةَ ابنِ عبَّاسٍ، "فدخل رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ومعه خالدُ بنُ الوليدِ، فجاؤوا بِضَبَّيْنِ مَشْوِيَّيْنِ على ثُمامَتَيْنِأي: على عودَيْنِ يَحمِلانِ الضَّبَّيْنِ أثناءَ الشَّوْيِ، والضَّبُّ: حيوانٌ مِنَ الزَّواحِفِ يَكْثُرُ في الصَّحارِي العربيَّةِ
قال: "فتَبَزَّقَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمأي: تَفَلَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تَقذُّرًا؛ وذلك لِأنَّه لم يَأْلَفْه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، "فقال خالِدٌ: إِخالُكَأي: أَظُنُّكَ، "تَقْذَرُهُ يا رسولَ اللهِأي: تَكرهُه، "قال" النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "أَجَلْأي: إنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عافَه وكرِهَه، وليس المقصودُ هنا الكراهةَ الشَّرعيَّةَ، وإنَّما المقصودُ كراهةُ نَفْسِهِ البشريَّةِ لهذا النَّوعِ مِنَ الطَّعامِ
قال: "ثمَّ أُتِيَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بلَبَنٍ فشرِب، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إذا أَكَلَ أحدُكم طعامًا فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ بارِكْ لنا فيهأي: اجعَلْ لنا فيه الخيرَ بالزِّيادةِ والنَّماءِ، "وأطعِمْنا خيرًا منه أي: وارْزُقْنا ما هو أفضلُ منه، "وإذا سُقِيَ لَبَنًا فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ بارِكْ لنا فيه، وزِدْنا منه"؛ فإنَّه ليس شيءٌ يُجزِئُ مِنَ الطَّعامِ والشَّرابِ، أي: يَصْلُحُ مَقامَ الأكْلِ إذا جاع الإنسانُ ويصلُحُ مقامَ الشُّرْبِ إذا عطِش "إلَّا اللَّبَنُ"
وفي الحديثِ: بيانٌ لأفضليَّةِ اللَّبَنِ وما فيه مِن فائدةٍ تَجمَعُ بين كَوْنِهِ طعامًا لِمَنْ أراد الطَّعامَ، وشرابًا لِمَنْ أراد الشَّرابَ.