مسند عبد الله بن العباس بن عبد المطلب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم 104
حدثنا أبو معاوية، ووكيع المعنى واحد، قالا: حدثنا الأعمش، عن مجاهد (2) ، قال وكيع: سمعت مجاهدا، يحدث عن طاوس، عن ابن عباس، قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين، فقال: " إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير، أما أحدهما: فكان لا يستنزه من البول - قال وكيع: من بوله - وأما الآخر: فكان يمشي بالنميمة ". ثم أخذ جريدة، فشقها بنصفين، فغرز في كل قبر واحدة. فقالوا: يا رسول الله لم صنعت هذا؟ قال: " لعلهما أن يخفف عنهما ما لم ييبسا - قال وكيع: تيبسا "
القَبْرُ هو أوَّلُ مَنازِل الآخِرَةِ، والعذابُ والنَّعيمُ فيه حَقٌّ، وقد بيَّنَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بَعضَ الأعمالِ المُوجِبةِ لعَذابِ القَبْرِ، كما في هذا الحَديثِ، حيثُ يَرْوي عبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مَرَّ على حائطٍ من حِيطَانِ المَدِينةِ أو مَكَّةَ، على الشَّكِّ الذي وَقَعَ مِن جَريرِ بنِ عَبدِ الحميدِ أحَدِ رُواةِ هذا الحديثِ، وأخرَجَه البُخاريُّ في الأدَبِ: «مِن حِيطانِ المَدينةِ» بالجزْمِ مِن غَيرِ شَكٍّ، والحائِطُ: هو البُسْتانُ إذا كان له سُورٌ، فسَمِعَ صَوتَ إنسانَيْن مَيِّتينِ يُعذَّبانِ في قُبورِهما، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «يُعَذَّبانِ، وما يُعذَّبانِ في كَبِيرٍ»، يعني: لا يُعذَّبان في أمْرٍ كَبيرٍ في نَظرِكم، وإنْ كان هو في الحقيقةِ كَبِيرًا عندَ اللهِ تعالَى؛ ولذلك قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «بَلَى»، أي: إنَّه كَبِيرٌ في الحقيقةِ!ثم أوْضَحَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سَببَ عَذابِهما، وهو أنَّ أحدَهما كان لا يَستُرُ جَسَدَه ولا ثِيابَه مِن مُماسَّةِ البَولِ، والآخَرَ كان يَمْشِي بالنَّمِيمةِ بيْن الناسِ، فيَنقُلُ كَلامَ غيرِه بقَصْدِ الإضرارِ وإيقاعِ الخِلافِ والوَقِيعةِ بيْن الناسِ.ثُمَّ دَعَا صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بِجَرِيدةٍ نخْلٍ، فكَسَرها نِصفَيْن، ووَضَع على قَبْرِ كلِّ واحدٍ منهما جُزءًا منها، فسَأَلَه الصَّحابةِ: لِمَ فعَلْتَ هذا؟ فأخبَرَهم أنَّه فَعَلَ ذلك لعلَّ اللهَ تعالَى أنْ يُخَفِّفَ عنهما العذابَ إلى أنْ يَجِفَّ الجَرِيدُ الذي وَضَعه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على قَبرَيْهما. قيل: إنَّه خصَّ الجَريدَ بذلك لأنَّه بَطِيءُ الجَفافِ. وقيل: هو مَحمولٌ على أنَّه دَعا لهما بالتَّخفيفِ مُدَّةَ بَقاءِ النَّداوةِ، لا أنَّ في الجَريدةِ معنًى يَخُصُّه، ولا أنَّ في الرَّطْبِ معنًى ليس في اليابسِ
وقيل: إنَّ المعنى فيه: أنَّه يُسبِّحُ ما دام رَطْبًا، فيَحصُلُ التَّخفيفُ ببَركةِ التَّسبيحِ
وفي الحَديثِ: إثباتُ عَذابِ القَبرِ، وأنَّه حقٌّ يَجِبُ الإيمانُ والتَّسليمُ به.
وفيه: التَّحذِيرُ مِن عدَمِ الاحترازِ مِن البَوْلِ، ويَلتحِقُ به غيرُه مِنَ النَّجاساتِ في البَدَنِ والثَّوبِ
فيه: التَّحذيرُ مِن النَّمِيمَةِ وبَيانُ سُوءِ عاقبتِها