مسند عبد الله بن العباس بن عبد المطلب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم 218
حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن جابر، عن عمار، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: " من بنى لله مسجدا ولو كمفحص قطاة لبيضها، بنى الله له بيتا في الجنة "
حثت شريعة الإسلام على التعاون بين الناس فيما بينهم على الخير والبر والتقوى؛ قال تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى} [المائدة: 2]، وفي هذا الحديث يبين النبي صلى الله عليه وسلم صورة من صور التعاون وما فيها من سعة فضل الله على العباد، وحسن مجازاته لهم؛ حتى ولو قلت أعمالهم، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من حفر ماء"، أي: من حفر بئر ماء؛ ليسقي منه الناس، ما دام أنه حفره بهذه النية ابتغاء مرضاة الله سبحانه، فقد نال أجره، "لم يشرب منه كبد حرى من جن، ولا إنس، ولا طائر"، أي: إن كل كائن قد شرب من هذا الماء، هو أجر يكتب لصاحبه ينتفع به في الآخرة، وقوله: "كبد حرى" من الحر، يريد أنها لشدة حرها قد عطشت ويبست من العطش، وقيل: أراد بالكبد الحرى حياة صاحبها؛ لأنه إنما تكون كبده حرى إذا كان فيه حياة
ثم ذكر النبي صلى الله عليه وسلم صورة أخرى من صور فضل الله عز وجل، فقال: "ومن بنى مسجدا كمفحص قطاة أو أصغر" والقطاة هو نوع من الحمام، يعيش في الصحراء، ويقطع مسافات شاسعة، ويطير جماعات، والمقصود بمفحص القطاة: الموضع التي تبيض فيه؛ لأنها تفحص عنه التراب، وهذا محمول على المبالغة في حجم المسجد، ولو كان صغيرا، ومن كان هذا فعله، كان جزاؤه أن يبني الله سبحانه وتعالى له بيتا في الجنة
فدل الحديث على سعة فضل الله وكرمه على عباده، وأنه يأجرهم على فعل صغير جزاء عظيما، ودل أيضا على أن الإنسان لا ينبغي عليه أن يدخر الوسع في فعل الخير، ولو كان قليلا، فهو عند الله عظي