مسند عبد الله بن العباس بن عبد المطلب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم 219
حدثنا محمد بن جعفر، وحجاج، قالا: حدثنا شعبة، قال: سمعت أبا جمرة الضبعي، قال: تمتعت فنهاني ناس عن ذلك، فأتيت ابن عباس فسألته عن ذلك، فأمرني بها، قال: ثم انطلقت إلى البيت فنمت، فأتاني آت في منامي، فقال: عمرة متقبلة وحج مبرور، قال: فأتيت ابن عباس، فأخبرته بالذي رأيت، فقال: " الله أكبر، الله أكبر، سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم، وقال: في الهدي جزور، أو بقرة، أو شاة، أو شرك في دم "
الحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام، وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم مناسك الحج بأقواله وأفعاله، ونقلها لنا الصحابة الكرام رضي الله عنهم كما تعلموها منه صلى الله عليه وسلم
وفي هذا الحديث يروي التابعي أبو جمرة نصر بن عمران الضبعي، أنه سأل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن التمتع في الحج -وهو أن يحرم الحاج بالعمرة في أشهر الحج، ويحل بعد أن يفرغ من العمرة، ثم يحرم بالحج من عامه- فأذن له ابن عباس فيها وأخبره أنها مشروعة، ثم سأله عن الهدي -وهو اسم لما يهدى للحرم ويذبح فيه-، أي: عن أحكام الهدي والواجب فيها؛ لقوله تعالى: {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي} [البقرة: 196]، فأجابه ابن عباس رضي الله عنهما: إن على المتمتع ذبح جزور -أي: الإبل- أو بقرة، أو شاة، أو شرك في دم، يعني: مشاركة مع غيره في جزء من بعير أو بقرة، وأقله بمقدار السبع.
وقول أبي جمرة: «فكأن ناسا كرهوها» يشير به إلى نهي عمر بن الخطاب وعثمان رضي الله عنهما عن متعة الحج، فكانا يأمران بإفراد الحج في سفر، والعمرة في سفر؛ ليكثر زوار البيت الحرام، وليس لأن التمتع حرام. وقد روى النسائي: أن أبا موسى سأل عمر عن ذلك، فقال عمر: قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فعله، ولكن كرهت أن يظلوا معرسين بهن في الأراك، ثم يروحوا في الحج تقطر رؤوسهم، ومعناه: كرهت التمتع؛ لأنه يقتضي التحلل ووطء النساء إلى حين الخروج إلى الحج
فنام أبو جمرة، فرأى في المنام إنسانا يناديه ويقول له: حج مبرور، ومتعة متقبلة، أو عمرة متقبلة، وحج مبرور، والحج المبرور: هو الحج الخالص لوجه الله تعالى، المقبول عنده؛ لخلوصه من الرياء والسمعة والمال الحرام، وهذا الحج جزاؤه عند الله تعالى الجنة
فأخبر أبو جمرة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما بهذه الرؤيا، ففرح ابن عباس وقال: «الله أكبر! سنة أبي القاسم»، يعني: هذه سنة النبي صلى الله عليه وسلم وطريقته صلى الله عليه وسلم التي بينها وأخبر بها، وهذا من باب الاستئناس بالرؤيا الصالحة؛ فالأصل أن الرؤى لا تبنى عليها أحكام شرعية ولا تعاملات دنيوية؛ لأنها ليست قطعية في ورودها ولا في دلالتها، ولا دليل من الشرع يدل على وجوب الانقياد لها والعمل بمقتضاها، ولا فرق في العمل بالرؤى بين أن يرى الرائي الرسول صلى الله عليه وسلم أو يرى غيره، ولكن يستأنس بها على كل حال، سواء لصاحبها أو لمن كان له تعلق بها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «الرؤيا ثلاث: حديث النفس، وتخويف الشيطان، وبشرى من الله» متفق عليه، والرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة، كما في الصحيحين
وفي الحديث: مشروعية التمتع بالعمرة في أشهر الحج
وفيه: مشروعية الاشتراك في الهدي من الإبل والبقر
وفيه: فرح العالم بموافقته الحق