مسند عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، عن النبي صلى الله عليه وسلم 358
حدثنا عبد الوهاب، عن سعيد، عن قتادة، عن أبي العالية الرياحي ،حدثنا ابن عم نبيكم، يعني ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " رأيت ليلة أسري بي موسى بن عمران عليه السلام، رجلا آدم طوالا، جعد الرأس، كأنه من رجال شنوءة، ورأيت عيسى ابن مريم عليه السلام، مربوع الخلق، في الحمرة والبياض سبطا "
كانت رحلة الإسراء والمعراج من المعجزات التي أيد الله عز وجل بها نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم، فأكرمه الله وأصعده مع جبريل إلى السموات العلى، حتى أراه الجنة، وأراه إخوانه من الأنبياء، وأراه من آياته الكبرى
وفي هذا الحديث يذكر النبي صلى الله عليه وسلم جزءا من قصة الإسراء والمعراج، وهي حادثة جرت فيما بين السنة الحادية عشرة والسنة الثانية عشرة من البعثة، بعد أن فقد النبي صلى الله عليه وسلم زوجته خديجة بنت خويلد وعمه أبا طالب اللذين كانا يؤانسانه ويؤازرانه، وبعد ما لاقاه من أذى أهل الطائف، فضاقت الأرض به، فواساه الله سبحانه وتعالى بهذه الرحلة المباركة تثبيتا له، حيث يخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى في الليلة التي أسري به ليلا من المسجد الحرام بمكة إلى المسجد الأقصى في بيت المقدس بفلسطين؛ موسى بن عمران نبي الله عليه السلام، وصفته أنه آدم، من الأدمة، وهي في الناس السمرة الشديدة، وكان طويلا، «جعدا» من جعودة الشعر، والشعر الجعد هو ما فيه التواء وتقبض، أو المراد بالجعودة جعودة الجسم، وهي اكتنازه واجتماعه، «كأنه من رجال شنوءة» في طوله وسمرته، وهي قبيلة من قبائل اليمن، وكذلك رأى نبي الله عيسى ابن مريم عليه السلام، وكان «رجلا مربوعا»، أي: وسطا لا قصيرا ولا طويلا، «مربوع الخلق»، أي: معتدل الخلقة، مائلا إلى الحمرة والبياض، فلم يكن شديدهما، بل كان جماله بين أبيض مشربا بحمرة، «سبط الرأس»، أي: مسترسل الشعر وليس جعدا، وأخبر أيضا أنه رأى مالكا خازن النار، وهو ملك من ملائكة الله عز وجل أوكله الله بالنار، ورأى المسيح الدجال، من الدجل، وهو التغطية؛ سمي به لأنه يغطي الحق بباطله، وهو شخص من بني آدم، يظهر في آخر الزمان ويدعي الألوهية، وظهوره من العلامات الكبرى ليوم القيامة، يبتلي الله به عباده، وأقدره على أشياء من مقدورات الله تعالى؛ من إحياء الميت الذي يقتله، ومن ظهور زهرة الدنيا والخصب معه، وجنته وناره، واتباع كنوز الأرض له، وأمره السماء أن تمطر فتمطر، والأرض أن تنبت فتنبت؛ فيقع كل ذلك بقدرة الله تعالى ومشيئته، ويقتله نبي الله عيسى ابن مريم عليه السلام. كل ذلك رآه مع علامات ودلائل أخرى أراهن الله للنبي صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى: {لقد رأى من آيات ربه الكبرى} [النجم: 18].
وقوله تعالى: {فلا تكن في مرية من لقائه} [السجدة: 23]، أي: فلا تكن في شك من لقاء نبي الله موسى عليه السلام، كما في سياق الآية، وهو قول الله تعالى: {ولقد آتينا موسى الكتاب فلا تكن في مرية من لقائه وجعلناه هدى لبني إسرائيل} [السجدة: 23]، فيكون ذكر عيسى وما يتبعه من الآيات مستطردا لذكر موسى عليه السلام ويحتمل أن يكون بعض الرواة قد ذكر هذه الآية للاستشهاد بها على أنه صلى الله عليه وسلم لقي موسى عليه السلام، على سبيل الإدراج
وفي الحديث: استخدام النبي صلى الله عليه وسلم التشبيه؛ لتقريب الوصف إلى الأذهان