مسند عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، عن النبي صلى الله عليه وسلم 596

مسند عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، عن النبي صلى الله عليه وسلم 596

حدثنا عفان، حدثنا حماد بن زيد، حدثنا أيوب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وقد وهنتهم حمى يثرب، قال: فقال المشركون: إنه يقدم عليكم قوم قد وهنتهم الحمى. قال: " فأطلع الله النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك فأمر أصحابه أن يرملوا، وقعد المشركون ناحية الحجر ينظرون إليهم، فرملوا ومشوا ما بين الركنين، قال: فقال المشركون: هؤلاء الذين تزعمون أن الحمى وهنتهم؟ ‍ هؤلاء أقوى من كذا وكذا. ذكروا قولهم، قال ابن عباس: " فلم يمنعه أن يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها إلا إبقاء عليهم " (3)

عقد النبي صلى الله عليه وسلم في السنة السادسة من الهجرة صلح الحديبية مع قريش، ومن ضمن بنوده أن يرجع من عمرته في هذه السنة، ثم يرجع فيعتمر في العام المقبل على أن تخلي له قريش البيت الحرام ثلاثة أيام
وفي هذا الحديث يروي عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه لما جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة في السنة السابعة من الهجرة ليعتمر عمرة القضية أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يبين كذب قريش عندما أشاعوا أن أصحابه قد أضعفتهم حمى المدينة وأنهكت أجسادهم، وأراد أن يظهر قوة المسلمين أمام قريش
فأمر أصحابه رضي الله عنهم أن يرملوا، أي: يسرعوا خطواتهم، في الأشواط الثلاثة الأولى من الطواف، ما عدا ما بين الركنين، والمراد بهما الركنان، اليماني والأسود، فيمشوا على راحتهم وبهدوء؛ حتى يستريحوا، حيث لا تقع عليهم أعين المشركين في تلك الجهة -وكان المشركون يقفون عن بعد؛ ليروا المسلمين-، فرملوا في الأشواط الثلاثة الأولى، ومشوا في الأربعة الأخيرة، ولم يمنعه صلى الله عليه وسلم أن يأمرهم أن يسرعوا في الأشواط كلها إلا الشفقة عليهم، والرفق بهم؛ فقد كان رفيقا رحيما صلى الله عليه وسلم
لكن عندما جاء النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك في حجة الوداع كان له شأن آخر، كما في الصحيحين عن عبد الله بن عمر قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يقدم مكة إذا استلم الركن الأسود، أول ما يطوف: يخب ثلاثة أطواف من السبع»، فظاهره أن يسرع في الأشواط الثلاثة كاملة، حتى بين الركنين -لا يمشي-، وذلك متأخر في الزمن، فيقدم، واستقرت سنة الرمل على ذلك
وفي الحديث: الأمر بالرمل في الأشواط الثلاثة الأولى من طواف العمرة
وفيه: تسمية الطوفة شوطا
وفيه: إظهار القوة بالعدة والسلاح ونحو ذلك للكفار؛ إرهابا لهم، ولا يعد ذلك من الرياء المذموم
وفيه: أن المعاريض تكون بالفعل، كما تكون بالقول، وربما كانت بالفعل أولى