مسند عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، عن النبي صلى الله عليه وسلم 651
حدثنا إسحاق بن عيسى، قال: أخبرنا مالك، عن أبي الزبير، عن طاوس، عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم هذا الدعاء كما يعلمهم السورة من القرآن يقول: " اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات " (2)
كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرص على تعليم أصحابه وأمته الدعاء والاستعاذة من بعض الشرور التي قد تصيب المسلم؛ ليعصمهم الله منها
وفي هذا الحديث يخبر أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو بعد التشهد الأخير في الصلاة وقبل التسليم كما في رواية مسلم، ويقول: «اللهم إني أعوذ بك»، أي: ألجأ إليك وأعتصم بك وأستجير بك أن تنجيني «من عذاب القبر» وهو عقوبته وفتنته؛ لأنه أول منزل من منازل الآخرة، ومن نجا وخلص من عذاب القبر فما بعده من منازل الآخرة أيسر منه وأسهل؛ لأنه لو كان عليه ذنب لكفر بعذاب القبر. «ومن عذاب النار»، وهي النار التي أعدها الله تعالى عقابا لمن خالف أمره وعصاه -أعاذنا الله منها بفضله ورحمته- في الآخرة، ومن صفات المؤمنين أصحاب العقول الصحيحة، والقلوب السليمة: أنهم يستعيذون منها دوما، ومن سلم من النار وزحزح عنها فإنه يدخل الجنة، وذلك هو الفوز العظيم. وأعوذ بك «من فتنة المحيا والممات» الفتنة: هي الامتحان والاختبار، وما من عبد إلا وهو معرض للابتلاء والفتن في الدنيا والآخرة؛ ولذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد علم أمته الاستعاذة من الفتن، وفتنة المحيا يدخل فيها جميع أنواع الفتن التي يتعرض لها الإنسان في الدنيا؛ كالكفر والبدع والشهوات والفسوق، وفتنة الممات يدخل فيها سوء الخاتمة وفتنة القبر -كسؤال الملكين- وغير ذلك
وقوله «ومن فتنة المسيح الدجال»، أي: أن أصدقه، أو أقع تحت إغوائه، وهو أعظم الفتن وأخطرها في الدنيا؛ ولذلك حذرت الأنبياء جميعا أممها من شره وفتنته؛ ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ من فتنته في كل صلاة، وبين أن فتنته أعظم الفتن منذ خلق الله آدم عليه السلام إلى قيام الساعة. وسمي مسيحا؛ لأنه ممسوح العين مطموسها، فهو أعور، وسمي الدجال؛ تمييزا له عن المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام، والدجال من التدجيل بمعنى التغطية؛ لأنه كذاب يغطي الحق ويستره، ويظهر الباطل، والدجال: شخص من بني آدم، وظهوره من العلامات الكبرى ليوم القيامة، يبتلي الله به عباده، وأقدره على أشياء من مقدورات الله تعالى: من إحياء الميت الذي يقتله، ومن ظهور زهرة الدنيا والخصب معه، وجنته وناره، ونهريه، واتباع كنوز الأرض له، وأمره السماء أن تمطر فتمطر، والأرض أن تنبت فتنبت؛ فيقع كل ذلك بقدرة الله تعالى ومشيئته
وفي الحديث: إثبات عذاب القبر، والرد على من ينكره