مسند عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، عن النبي صلى الله عليه وسلم 673
حدثنا عبد الصمد، وأبو سعيد، وعفان، قالوا: حدثنا ثابت، حدثنا هلال، عن عكرمة، عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليه عمر، وهو على حصير قد أثر في جنبه، فقال: يا نبي الله، لو اتخذت فراشا أوثر من هذا؟ فقال: " ما لي وللدنيا؟ ما مثلي ومثل الدنيا، إلا كراكب سار في يوم صائف، فاستظل تحت شجرة ساعة من نهار، ثم راح وتركها " (1)
كان النبي صلى الله عليه وسلم أزهد الناس في الدنيا؛ لعلمه بحقيقتها وأنها دار فناء، وليست باقية، وإنما هي مرحلة يتزود فيها المسلم من الأعمال الصالحة والطاعات؛ حتى يعيش الحياة الباقية في جنة الله عز وجل
وفي هذا الحديث يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "نام رسول الله صلى الله عليه وسلم على حصير، فقام"، أي: من نومه، "وقد أثر في جنبه"، أي: كانت أعواد الحصير وخيوطه مؤثرة في جنبه، وكان الحصير ينسج من ورق النخيل؛ فقلنا: "يا رسول الله، لو اتخذنا لك وطاء"، أي: فراشا أنعم وأبسط من هذا الحصير، فقال صلى الله عليه وسلم: "ما لي وللدنيا"، أي: ليس لي ألفة ومحبة مع الدنيا، "ما أنا في الدنيا إلا كراكب"، أي: مثل راكب يسير في طريق فتعب، فنزل و"استظل تحت شجرة"، أي: اتخذ من أوراقها ظلا من حرارة الشمس، "ثم راح وتركها"، أي: يستريح قليلا ثم يكمل سيره، وهذا التشبيه من النبي صلى الله عليه وسلم يصور حياة المسلم في الدنيا كعابر السبيل الذي يريد أن يبلغ آخرته بأمان وفي غير تباطؤ منه؛ ليتنعم بما في الدنيا على ما له في الآخرة، وهذا إرشاد من النبي صلى الله عليه وسلم إلى عدم الاشتغال بالدنيا وملذاتها، وأنه ينبغي الاشتغال بالآخرة؛ لأنها دار القرار، وحث على ترك لهو الدنيا ومتاعها، وألا يكون الانشغال إلا بالآخرة
وفي الحديث: بيان ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من الزهد في الدنيا مع قدرته على التمتع بها لو أراد