مسند عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، عن النبي صلى الله عليه وسلم 724

مسند عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، عن النبي صلى الله عليه وسلم 724

- حدثنا عبد الله بن يزيد، حدثنا كهمس بن الحسن، عن الحجاج بن الفرافصة - قال أبو عبد الرحمن: وأنا قد رأيته في طريق، فسلم علي، وأنا صبي " - رفعه إلى ابن عباس، أو أسنده إلى ابن عباس، قال: وحدثنا همام بن يحيى أبو عبد الله، صاحب البصري، أسنده إلى ابن عباس، وحدثني (2) عبد الله بن لهيعة، ونافع بن يزيد، المصريان، عن قيس بن الحجاج، عن حنش الصنعاني، عن ابن عباس - ولا أحفظ حديث بعضهم من (1) بعض - أنه قال: كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: " يا غلام، أو يا غليم، ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن؟ " فقلت: بلى. فقال: " احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك، تعرف إليه في الرخاء، يعرفك في الشدة، وإذا سألت، فاسأل الله، وإذا استعنت، فاستعن بالله، قد جف القلم بما هو كائن، فلو أن الخلق كلهم جميعا أرادوا أن ينفعوك بشيء لم يكتبه الله عليك، (2) لم يقدروا عليه، وإن أرادوا أن يضروك بشيء لم يكتبه الله عليك، لم يقدروا عليه، واعلم أن في الصبر على ما تكره خيرا كثيرا، وأن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا " (3)

أوتي النبي صلى الله عليه وسلم جوامع الكلم؛ فكان صلى الله عليه وسلم يجمع المواعظ الجمة والوصايا الجامعة، والحكم البالغة في الكلام القليل، وكان من هديه عليه الصلاة والسلام تربية الصغار وتعليمهم أمور دينهم؛ من العقيدة الصحيحة، وحسن التوكل على الله
وفي هذا الحديث يقول عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: "كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم"، أي: كنت راكبا خلف النبي صلى الله عليه وسلم على ظهر الدابة، "فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا غلام أو يا بني-" والغلام هو الصبي الصغير الذي لم يبلغ الحلم بعد، وقوله: (يا بني)؛ لبيان مدى حبه وحرصه على نصحه، "ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن؟" أي: أعلمك أمورا وأشياء ينفعك الله بها، "قلت: بلى، فقال: احفظ الله"، أي: اتق الله في أوامره ونواهيه؛ بحيث يجدك قائما على الطاعات والقربات، ولا يجدك قائما على المعاصي والآثام، "يحفظك"، أي: إذا اتقيته وحفظته كان جزاؤك أن يصونك عن الشرور والموبقات، ويحفظك في نفسك وأهلك، ومالك، ودينك ودنياك، "احفظ الله تجده أمامك"، أي: كان الله لك مؤيدا ومعينا ونصيرا، "تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة"، والمعنى: اجعل الله يعرفك بطاعته، والعمل فيما أولاك من نعمته؛ فإنه سبحانه يجازيك عند الشدة والحاجة إليه في الدنيا والآخرة، "إذا سألت فاسأل الله"، أي: إذا أردت أن تطلب شيئا، فلا تطلب إلا من الله، "وإذا استعنت فاستعن بالله"، أي: وإذا أردت العون فلا تطلب العون إلا من الله، ولا تستعن إلا بالله، "فقد جف القلم بما هو كائن"، أي: كتبت مقادير الخلائق جميعا، ورفع القلم؛ فلا زيادة ولا نقصان، وقد جفت الصحف بما كتبته الأقلام فيها من مقادير الخلائق، فلا تبديل ولا تغيير؛ فكل شيء قد كتب في اللوح المحفوظ، "فلو أن الخلق كلهم جميعا أرادوا أن ينفعوك بشيء لم يقضه الله لك، لم يقدروا عليه"، أي: إنه لن يكون إلا ما قدره الله لك، فلن تحصل منفعة لك إلا ما قد كتبه الله لك، ولو اجتمع على منفعتك أهل الأرض جميعا، "وإن أرادوا أن يضروك بشيء لم يقضه الله لك، لم يقدروا عليه"، أي: لن يبلغك ضر إلا ما قدره الله عليك، ولو اجتمع على ضرك أهل الأرض جميعا
"واعمل لله بالشكر واليقين"، أي: اعمل الطاعات، واشكر الله على كل أمرك، وكن على يقين وثقة به سبحانه، "واعلم أن في الصبر على ما تكره خيرا كثيرا"، أي: أن الصبر على الشدائد التي يكرهها الإنسان فيه خير كثير للعبد، وهو أفضل له من الجزع، "وأن النصر مع الصبر"؛ فالصبر مفتاح كل خير مع إخلاص النية لله، "وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا"، أي: أن رحمة الله بعباده قريبة، فيجعل مع الضيق والشدة تفريجا، فلا ييأس العبد مهما أصابه
وهذا كله من التربية النبوية للأمة؛ أن تتعامل بصدق مع الله، وأن تراقبه في كل أعمالها، وألا تخاف غيره سبحانه؛ فمنه النفع والضر، وأن تربي أطفالها على هذه المفاهيم الطيبة، فينشؤوا ويشبوا عليها
وفي الحديث: الحث على حفظ الله عز وجل في أوامره ونواهيه