مسند عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، عن النبي صلى الله عليه وسلم 805
حدثنا أبو النضر، عن ابن أبي ذئب، عن سعيد بن خالد، عن إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي ذؤيب، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس، قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء - أو خرج عليهم - وهم جلوس، فقال: " ألا أحدثكم بخير الناس منزلا؟ " قال: قلنا: بلى يا رسول الله. قال: " رجل ممسك برأس فرس في سبيل الله حتى يموت أو يقتل " ثم قال: " ألا أخبركم بالذي يليه؟ " قلنا: بلى يا رسول الله. قال: " امرؤ معتزل في شعب يقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة، ويعتزل شرور الناس " ثم قال: " ألا أخبركم بشر الناس منزلا؟ " قال: قلنا: بلى يا رسول الله. قال: " الذي يسأل بالله، ولا يعطي به " (1)
كان النبي صلى الله عليه وسلم يحث على الجهاد في سبيل الله عز وجل، ويبين فضله، معظما له في النفوس
وفي هذا الحديث يخبر عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ألا أخبركم بخير الناس منزلا؟"، أي: أكثرهم ثوابا وأعظمهم وأعلاهم درجة عند الله عز وجل؟ قال ابن عباس: "قلنا: بلى يا رسول الله"، أي: أخبرنا به، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رجل آخذ برأس فرسه في سبيل الله عز وجل"، وهذا كناية عن ملازمته للجهاد والمداومة عليه، "حتى يموت"، أي: دون أن يقتل فيه، "أو يقتل"، أي: في غزوه ومعاركه، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "وأخبركم بالذي يليه؟"، أي: في الأجر والمنزلة
قال ابن عباس: "قلنا: نعم يا رسول الله"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رجل معتزل"، أي: للناس، "في شعب"، أي: في مكان ناء بعيد ليس فيه بشر، والشعب: الطريق، أو الطريق في الجبل، "يقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة"؛ وهذا يدل على أن عزلته للتعبد وإقامة فرائض الله وليست لهجر الناس فقط، "ويعتزل شرور الناس"، أي: المفاسد التي تحدث فيهم
وقد اختلف في العزلة والخلطة في الطاعة؛ أيهما أفضل؟ وتحقيق ذلك: أن الدين إذا سلم في الخلطة فهو أفضل، ولكن إذا لم يسلم الدين من آفاتها- وخاصة في زمان الفتن والحروب التي لا يظهر فيها الحق من الباطل، وتكون قتالا على الدنيا- فالعزلة أسلم وأفضل، فالأنبياء صلوات الله عليهم وجماهير الصحابة والتابعين والعلماء والزهاد، كانوا مختلطين، ويحصلون منافع الاختلاط بشهود الجماعات والجنائز، وعيادة المرضى، وحلق الذكر، وغير ذلك
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وأخبركم بشر الناس؟"، أي: في المنزلة وما يتحصل عليه من ذنب، قال ابن عباس: "قلنا: نعم يا رسول الله"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الذي يسأل بالله عز وجل"، أي: يسأله غيره حاجة له مقسما عليه بالله تعالى أن يقضي له حاجته، "ولا يعطي به"، أي: ولا يجيب له حاجته وهو يقدر عليها، وقيل: يحتمل أن يكون المعنى: أن من شر الناس من يسأل غيره بالله عز وجل فيعطى، فإن أحد سأله هو بالله فلا يعطي
وفي الحديث: فضل الجهاد في سبيل الله تعالى
وفيه: فضل العزلة عن الناس، مع أداء حقوق الله تعالى
وفيه: التحذير والترهيب لمن يسأل بالله تعالى، ولا يعطي