مسند عبد الله بن العباس بن عبد المطلب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم 83
حدثنا إسماعيل أخبرنا هشام، عن يحيى بن أبي كثير، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في المكاتب: " يعتق منه بقدر ما أدى دية الحر، وبقدر ما رق منه دية العبد "
الإسلامُ دِينُ العَدْلِ والسَّماحةِ واليُسْرِ، وقد جعَلَ للعَبيدِ والإماءِ مَخارِجَ كثيرةً مِن الرِّقِّ والعُبوديَّةِ، وحفِظَ لهم حُقوقَهم في الدِّيَةِ والـمِيراثِ، ووضَعَ عنهم نِصفَ الـحُدودِ، وفي هذا الحَديثِ يُبيِّنُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بَعضَ أحكامِ العَبيدِ، فيقولُ: "الـمُكاتَبُ"، الـمُكاتَبُ: هو العبْدُ الذي اتَّفَق مع سيِّدِه أنْ يُعتِقَ نَفْسَه مُقابِلَ مِقدارٍ معيَّنٍ مِن المالِ يَدفَعُه لسيِّدِه على دُفعاتٍ، وتَكاتَبَ الاثنانِ على ذلك؛ فسُمِّي مُكاتَبًا؛ لأنَّه كاتَبَ سيِّدَه على ذلك، "يَعْتِقُ بقَدْرِ ما أدَّى"، أي: يكونُ مُـحرَّرًا بقدْرِ ما أداه مِن مُكاتَبَتِه؛ فإنْ أدَّى رُبُعَها فرُبُعُه مُحرَّرٌ، وإنْ أدَّى نِصْفَها فنِصفُه مُحرَّرٌ، وهكذا، "ويُقامُ عليه الحدُّ بقَدْرِ ما عتَقَ منه"، أي: إذا كان جانِيًا وأصابَ حَدًّا يَستحِقُّ العُقوبةَ عليه،
وقيل: أصابَ حَدًّا، يعني: دِيَةً مَدفوعةً له؛ كأنْ يكونَ مَجنِيًّا علَيه، واستحَقَّ دِيَةً مُعيَّنةً، "ويَرِثُ بقَدْرِ ما عتَقَ منه"، أي: لوْ أصابَ مِيراثًا وورِثَ مالًا أو مَتاعًا، فإنَّه يرِثُ بحِسابِ ما عتَقَ مِنه، وبمقدارِ ما أعْتَقَ نفْسَه مِن سيِّدِه، والمعنى: أنَّ العبْدَ الـمُكاتَبَ إذا أصاب حَدًّا واستحَقَّ دَفْعَ الدِّيَةِ، أو أحرَزَ مِيراثًا؛ فإنَّه يُحاسَبُ في الدِّيَةِ والميراثِ، ويُصِيبُ منهما بقدْرِ النِّسبةِ الَّتي أحرَزَها بين الـحُرِّيةِ والعُبوديةِ؛ بمعنى أنَّه لو كاتَبَ سيِّدَه على ألْفِ دِرْهمٍ، فدفَعَ خَمْسَمِئةٍ، وبقِيَ خَمسُمِئةٍ؛ فإنَّه يَدفَعُ نِصفَ دِيَةِ حُرٍّ ونصْفَ دِيَةِ عبْدٍ، إذا أصاب حَدًّا واستحَقَّ دفْعَ الدِّيَةِ، وكذلك إذا أحرَزَ مِيراثًا، فإنَّه يأخُذُ نِصْفَ نَصيبِ حُرٍّ ونصْفَ نصيبِ عبْدٍ؛ لأنَّه ليس حُرًّا فيَأخُذَ نَصيبَه كامِلًا، وليس عبْدًا فيُعامَلَ مُعاملةَ العبدِ، إنَّما يأخُذُ بمقدارِ ما به مِن حُرِّيةٍ، وما بقِيَ مِن عُبوديَّةٍ
وفي الحديثِ: بيانُ إنصافِ الإسلامِ وعدْلِه بيْن النَّاسِ