مسند عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، عن النبي صلى الله عليه وسلم 850
حدثنا أسباط، حدثنا مطرف، عن عطية، عن ابن عباس، في قوله: {فإذا نقر في الناقور} [المدثر: 8] قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن، وحنى جبهته يسمع متى يؤمر، فينفخ؟ " فقال أصحاب محمد: كيف نقول؟ قال: " قولوا: حسبنا الله، ونعم الوكيل، على الله توكلنا " (1)
كان النبي صلى الله عليه وسلم يحذرنا من اقتراب الساعة، ويحثنا على حسن العمل استعدادا لها، وكان في نفسه حريصا على كثرة عمل الطاعات، وإظهار استعداده للقاء الله
وفي هذا الحديث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "كيف أنعم" فأفرح، وأتنعم، وتهنأ لي حياة، ويطيب لي عيش "وقد التقم صاحب القرن القرن" بمعنى أن إسرافيل عليه السلام، وهو المكلف بالنفخ، قد استعد وأمسك البوق أو الصور الذي ينفخ فيه، ووضعه في فمه مثل اللقمة، وفي رواية الحاكم: "إن طرف صاحب الصور مذ وكل به مستعد، ينظر نحو العرش؛ مخافة أن يؤمر قبل أن يرتد إليه طرفه، كأن عينيه كوكبان دريان"، قيل: إنه ينفخ فيه ثلاث نفخات: النفخة الأولى: هي نفخة يكون فيها الفزع، وفيها يموت كل من كان حيا، والثانية: فيها يصعق الخلق، والثالثة: هي القيام للحساب، ولكن لا يلزم من ذكر الصعق في آية، والفزع في الأخرى ألا يحصلا معا من النفخة الأولى، بل هما متلازمان، فإذا نفخ في الصور فزع الناس فزعا صعقوا منه وماتوا. وقيل: بل هما نفختان فقط: نفخة الفزع التي هي نفخة الصعق، ثم نفخة القيام للحساب، وهو البعث من القبور
"وحنى جبهته" أمالها، وهو كناية عن المبالغة في التوجه لإصغاء السمع، وإلقاء الأذن استعدادا لبدء النفخة "وأصغى سمعه"، فجعله في حالة تنبه وترقب، "ينتظر أن يؤمر" من الله سبحانه "أن ينفخ فينفخ" فيبدأ البعث بعد الموت وتقوم القيامة "قال المسلمون: فكيف نقول يا رسول الله؟ قال: قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل"، بمعنى أن الله هو كافينا، وهو نعم الموكول إليه، ونعم المولى ونعم النصير "توكلنا على الله ربنا"، وربما قال سفيان وهو من رواة الحديث: "على الله توكلنا"، أي: إليه فوضنا أمرنا، وهذه الكلمة تقال عند الأمور العظيمة، وما يصيب المسلم من فزع أو خوف
وفي الحديث: بيان وجل النبي صلى الله عليه وسلم وخوفه وإشفاقه من قيام الساعة مع علمه بقربها، وما فيها من أهوال، ومع تغييب الله لموعدها مما يجعل المؤمن دائم الخوف
وفيه: بيان فضل قول: "حسبنا الله ونعم الوكيل"، وأنه من المنجيات من فزع القيامة
وفيه: إثبات وجود الصور، وأن له ملكا مكلفا بالنفخ فيه بأمر الله
وفيه: تحذير للمؤمنين وإرشاد لهم للإسراع بعمل الطاعات؛ لأن القيامة تأتي بغتة