مسند عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، عن النبي صلى الله عليه وسلم 905

مسند عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، عن النبي صلى الله عليه وسلم  905

حدثنا عبد الصمد، حدثنا عمر (2) بن فروخ، حدثني حبيب يعني ابن الزبير، عن عكرمة، قال: رأيت رجلا يصلي في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، فكان يكبر إذا سجد، وإذا رفع، وإذا خفض، فأنكرت ذلك، فذكرته لابن عباس؟ فقال: " لا أم لك، تلك صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم " (3)

كان النبي صلى الله عليه وسلم رحيما بأمته، وكان يلاطف الناس، وخاصة الصغار ويداعبهم بأقوال طريفة بكل حب ومودة، ويدعو لهم بالخير
وفي هذا الحديث يروي أنس بن مالك رضي الله عنه أنه كانت عند أمه أم سليم يتيمة ترعاها وتقوم على شأنها، واليتيمة: هي التي مات أبوها قبل سن التكليف، فرأى صلى الله عليه وسلم تلك اليتيمة، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «آنت هيه؟» أي: هل أنت الصغيرة التي رأيتها أولا؟ يبين لها أنه صلى الله عليه وسلم يتذكرها، «لقد كبرت» وكأنه صلى الله عليه وسلم كان قد رآها صغيرة ثم غابت عنه مدة، فرآها قد كبرت عن ذي قبل، ثم مازحها بقوله: «لا كبر سنك»، أي: دعا عليها صلى الله عليه وسلم بألا يكبر عمرها، وهذه الكلمة خرجت على عادة العرب من الكلام الذي يجري على اللسان ولا يراد حقيقته، فرجعت اليتيمة إلى أم سليم رضي الله عنها تبكي؛ حزنا لما سمعته من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنها حسبت أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا عليها، فسألتها أم سليم رضي الله عنها عن سبب بكائها، ونادتها بقولها: «يا بنية» شفقة لحالها ورحمة لبكائها، فأجابتها الجارية بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا عليها ألا يكبر سنها، «فالآن لا يكبر سني أبدا»؛ لأن دعاءه صلى الله عليه وسلم مستجاب، أو قالت «قرني»، والسن والقرن بمعنى واحد، فخرجت أم سليم رضي الله عنها مستعجلة في الذهاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهي «ما
تلوث خرها»، أي: تلفه وتديره على رأسها وعنقها، حتى لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم سألها عن سبب ذلك واستعجالها، فقالت: «يا نبي الله، أدعوت على يتيمتي؟!» تستفسر منه عن حقيقة تلك الدعوة وما سببها، فقال لها: «وما ذاك يا أم سليم؟» أي: وما سبب ذاك السؤال الذي سألتنيه عنه؟ فأخبرته بأمر الجارية وبكائها، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم من خوف أم سليم من قبول دعائه صلى الله عليه وسلم على يتيمتها، ثم قال: «يا أم سليم، أما تعلمين أن شرطي على ربي» أي: ما طلبته من ربي وما دعوت به، فأجاب دعائي، فكأنما وقع بيني وبين ربي شرط قبله ووافق عليه؛ لأن الله تعالى لا يشترط عليه شرط، ولا يجب عليه لأحد حق، بل ذلك كله بمقتضى فضله وكرمه، وقد ورد في حديث عند مسلم ما يؤكد هذا المعنى؛ حيث قال: «اللهم إني أتخذ عندك عهدا لن تخلفنيه»، ثم بين تلك المشارطة بقوله: «أني اشترطت على ربي، فقلت: إنما أنا بشر أرضى» أي: يقع منه الفرح كفرح البشر، «وأغضب» أي: يقع منه الغضب كما يقع من البشر «فأيما أحد دعوت عليه من أمتي بدعوة ليس لها بأهل» أي: ليس بمستحق لها، «أن تجعلها له طهورا» من خطاياه وذنوبه، «وزكاة» أي: ويبدله بها حسنات وأجرا، «وقربة يقربه بها منه» أي: يزيد لها في الدرجات؛ وذلك في يوم القيامة

والمعنى: أن ما وقع من سبه ودعائه صلى الله عليه وسلم على أحد ونحوه ليس بمقصود، بل هو مما جرت به العادة، فخاف صلى الله عليه وسلم أن يصادف شيء من ذلك إجابة، فسأل ربه سبحانه ورغب إليه في أن يجعل ذلك رحمة وكفارة وقربة وطهورا وأجرا، وإنما كان يقع هذا منه صلى الله عليه وسلم نادرا؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن فاحشا ولا لعانا
وفي الحديث: رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بمن دعا عليه من المسلمين
وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان بشرا خلاف ما يدعيه المبطلون
وفيه: بيان الرحمة والشفقة باليتامى، والحنو عليهم، والسعي لإزالة ما يحزنهم