حدثنا هشيم، أخبرنا غير واحد، وابن عون عن نافع، عن ابن عمر، قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت ومعه الفضل بن عباس، وأسامة بن زيد، وعثمان بن طلحة، وبلال، «فأمر بلالا فأجاف عليهم الباب فمكث فيه ما شاء الله ثم خرج» [ص:36]، فقال ابن عمر: فكان أول من لقيت منهم بلالا فقلت: أين صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟، قال: هاهنا بين الأسطوانتين
الكَعبةُ المُشرَّفةُ هي بَيتُ اللهِ العَتيقُ، ولها مكانةٌ عظيمةٌ في قلوبِ المُسلِمينَ، وقد صلَّى النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في جَوْفِها وداخِلَها عامَ فتحِ مكَّةَ
وفي هذا الحَديثِ يَروي عبدُ الله بنُ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأُسامةَ بنَ زَيدٍ، وبِلالًا وعُثمانَ بنَ طَلحةَ رَضيَ اللهُ عنهم دَخَلوا الكَعبةَ وأغلَقوا عليهمُ البابَ، ولمَّا فَتَحوا كان أوَّلُ مَن دَخَلَ عليهمُ ابنَ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما، فسألَ بِلالًا رَضيَ اللهُ عنه: هل صلَّى في البَيتِ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؟ فأجابَه: نَعَمْ، صلَّى بَينَ العَمودَيْنِ اليَمانِيَّيْنِ، اللَّذَيْنِ في اتِّجاهِ اليَمنِ. ووَرَدَ في الصَّحيحَيْنِ: «جَعَلَ عَمودًا عن يَسارِه، وعَمودًا عن يَمينِه، وثلاثةَ أعمِدةٍ وراءَه، وكان البَيتُ يَومَئذٍ على سِتَّةِ أعمِدةٍ، ثم صلَّى»، بَينَه وبَينَ القِبلةِ ثلاثةُ أذرُعٍ، كما في روايةِ أبي داودَ. وقد جُمِعَ بَينَ هذا الحديثِ وبَينَ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما في صحيحِ البُخاريِّ، الذي فيه: «فدَخَلَ البَيتَ، فكَبَّرَ في نَواحِيه، ولم يُصَلِّ فيه»، أنَّ إثباتَ بلالٍ مُقدَّمٌ على نَفيِ غيرِه؛ لأنَّ ابنَ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما لم يكُنْ مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَومَئذٍ، وإنَّما أسنَدَ نَفيَه تارةً لأُسامةَ، وتارةً لأخيه الفَضلِ. وقيل: يُحتَمَلُ أنْ يكونَ دُخولُ البَيتِ وقَعَ مَرَّتَيْنِ، صلَّى في إحداهما، ولم يُصَلِّ في الأُخرَى
وفي الحَديثِ: مَشروعيَّةُ دُخولِ الكَعبةِ، والصَّلاةِ فيها
وفيه: الحِرصُ على العِلمِ والسُّؤالُ عنه، وسُؤالُ المفضولِ مع وُجودِ الأفضلِ، والاكتِفاءُ به
وفيه: فَضيلةُ ابنِ عُمَرَ رضي اللهُ عنهما؛ لشِدَّةِ حِرصِه على تتبُّعِ آثارِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ ليَعمَلَ بها. وفيه: أنَّ الفاضِلَ مِنَ الصَّحابةِ قد كان يَغيبُ عنِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في بعضِ المشاهِدِ الفاضِلةِ، ويَحضُرُها مَن هو دُونَه، فيَطَّلِعُ على ما لم يَطَّلِعْ عليه غيرُه