مسند عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما134
مسند احمد
حدثنا حسن، حدثنا ابن لهيعة، حدثني حيي بن عبد الله، أن أبا عبد الرحمن الحبلي، حدثه قال: سمعت عبد الله بن عمرو، يقول: " أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة المائدة وهو راكب على راحلته، فلم تستطع أن تحمله، فنزل (1) عنها "
كان النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أحسَنَ النَّاسِ خُلُقًا، وكان هذا تَأديبًا مِنَ اللهِ عزَّ وجلَّلنَبيِّهصَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وقدْ نقَلَ لنا الصَّحابةُ الكرامُ هَدْيَه، وسَمْتَه، وأخلاقَه.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ التَّابعيُّ سَعدُ بنُ هِشامِ بنِ عامرٍ أنَّه دخَلَ على أمِّ المؤمنينَ عائشةَ رضِيَ اللهُ عنها، فسَأَلَتْه عن قِراءتِه لسُورةِ المائدةِ، ولعلَّ المرادَ: حِفظُه لها، فأجابَها بـ«نَعَمْ»، فأخبَرَته أنَّها آخِرُ سُورةٍ نزَلتْ. وقدْ ورَدَ أنَّ آخِرَ سورةٍ نزَلتْ هي بَراءةُ. وقيلَ: النَّصرُ.
ثُمَّ أخْبَرَته عائشةُ رضِيَ اللهُ عنها أنَّ ما وجَدَ في تلكَ السُّورةِ مِن أحكامٍ تنُصُّ على الحِلِّ، فهي مِمَّا أحَلَّه اللهُ لعِبادِه، وما وجَدَ فيها مِن أحكامٍ تنُصُّ على التَّحريمِ؛ فهي مِمَّا حرَّمَه اللهُ على عبادِه، وإنَّما خصَّتْ تلكَ السُّورةَ بتَحليلِ حَلَالِها، وتَحريمِ حَرامِها، وكلُّ سُوَرِ القُرآنِ يَجِبُ أنْ يُحِلَّ حَلَالَها، ويُحرِّمَ حَرامَها؛ لأنَّها اشتَمَلتْ على ثَمانيةَ عشَرَ حُكمًا، لمْ تَنزِلْ في غَيرِها مِن سُوَرِ القُرآنِ.
ثُمَّ أخبَرَ سَعدٌ أنَّه سَأَلَ عائشةَ رضِيَ اللهُ عنها عن خُلُقِ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، والمرادُ: عن صِفاتِ خُلُقِه، والخُلُقُ: مَلَكةٌ تَصدُرُ بها الأفعالُ بسُهولةٍ مِن غَيرِ تَنكُّرٍ ولا تَكلُّفٍ، فأخبَرَتْه رضِيَ اللهُ عنها أنَّ خُلُقَه القُرآنُ؛ ومعناه: يَأتَمِرُ بما أمَرَه اللهُ تَعالَى فيه، ويَنتَهي عمَّا نَهَى اللهُ عنه.
ل: كان خُلُقُه جميعَ ما حصَلَ في القُرآنِ مِن كلِّ ما استَحْسَنَه، وأثْنَى عليه، ودَعا إليه، فقدْ تَحلَّى به، وكلُّ ما استَهْجَنَه، ونَهَى عنه، تَجنَّبَه، وتَخلَّى عنه، فكان القُرآنُ بَيانَ خُلُقِه.
ويَحتمِلُ أنْ يكونَ المرادُ قَولَ اللهِ تَعالَى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}.