مسند عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما179
مسند احمد
حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا الحجاج بن أرطأة، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إن لي ذوي أرحام، أصل ويقطعوني، وأعفو ويظلمون (1) ، وأحسن ويسيئون، أفأكافئهم؟ قال: " لا، إذا تتركون جميعا، ولكن خذ بالفضل وصلهم، فإنه لن يزال معك ظهير من الله عز وجل ما كنت على ذلك "
بَذلُ الإحسانِ في الأقاربِ مِن جَميلِ ما أمَرَ به الشَّرعُ والدِّينُ الإسلاميُّ، ومِن مَظاهرِ هذا التَّشريعِ أنَّه حَضَّ على صِلةِ الرَّحِمِ والبذلِ فيهم، وإنْ لم يَجِدِ الإنسانُ ما يُرْضِيه عندَ أقاربهِ مِن الوصلِ له وحِرصِهم عليه.
وفي هذا الحديثِ أنَّ رَجُلًا جاء إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأخبَرَه أنَّ له جماعةً مِن أقاربِهِ يَصِلُهم لكنَّهم يَقطَعونه، أي: يَأتِيهم ويَذهَبُ إليهم، وهُم يَمتنِعون عن وَصلِه، «وأُحْسِنُ إليهم» بِالبِرِّ وَالوفاءِ، «وَيُسيؤونَ إليَّ» بالجَوْرِ والجَفاءِ، «وأَحلُمُ عنهم» أي: ما زال يَعفو عن إساءتهِم تلك، وما زالوا هُم مُستمرِّين بالجهلِ عليه بالسَّبِّ والغضبِ، وكأنَّ الرَّجلَ يَسأَلُ عن حُكمِ وَصلِ تلك الرَّحمِ بعْدَ ما بيَّنه مِن أسبابٍ تُوجِبُ مُقاطعتَهم، فأخبَرَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه إنْ كان الأمرُ مِثلَ ما قُلتَ مِنَ حِرصِكَ على وَصلِهم والإحسانِ إليه مع ما فِيهم مِن جَفاءٍ وجَهالةٍ؛ «فكأنَّما تُسِفُّهُم»، أي: تُطعِمُهم في أفواهِهِم «المَلَّ» وهو: الرَّمادُ الحارُّ، وهو تَشبيهٌ لِما يَلحَقُهم مِن الألمِ بما يَلحَقُ آكِلَ الرَّمادِ الحارِّ مِن الألَمِ، وقيل: معناه: إنَّك بالإحسانِ إليهم تُخزِيهم وتُحَقِّرُهم في أنفُسِهم لِكثرةِ إحسانِكَ وقَبيحِ فِعلِهم، ولا يَزالُ معكَ مِنَ عندِ اللهِ «ظَهيرٌ عَليهم»، أي: مُعِينٌ لكَ عليهم ودَافِعٌ عنكَ أَذاهم مَا دُمْتَ على ما ذَكرْتَ مِن إحسانِكَ إليهم وظَلُّوا هُم على إساءتِهم إليكَ، فوافَقَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على وَصلِه لهم، وكلِّ ما ذَكَره مِن مَظاهرِ إحسانِه فيهم.
وفي الحديثِ: الحثُّ على صِلةِ الرَّحمِ.
وفيه: الصَّبرُ على الإيذاءِ، خصوصًا مِنَ الأقاربِ، وأنَّ مَن كان كذلك أعانَه المولى سبحانَه وتَعالَى.
وفيه: مُقابلَةُ الإساءةِ بِالإحسانِ مَع الأقاربِ أوْ غيرِهم.