مسند عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما22
مسند احمد
حدثنا جرير، عن عطاء بن السائب، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " "خلتان من حافظ عليهما، أدخلتاه الجنة، وهما يسير، ومن يعمل بهما قليل " قالوا: وما هما يا رسول الله؟ قال: " أن تحمد الله وتكبره وتسبحه في دبر كل صلاة مكتوبة عشرا، عشرا، وإذا أويت (1) إلى مضجعك تسبح الله وتكبره وتحمده مائة مرة، فتلك خمسون ومائتان باللسان، وألفان وخمس مائة في الميزان، فأيكم يعمل في اليوم والليلة ألفين، وخمس مائة سيئة؟ " قالوا: كيف من يعمل بهما (2) قليل؟ قال: " يجيء أحدكم الشيطان في صلاته، فيذكره حاجة كذا وكذا، فلا يقولها، ويأتيه عند منامه، فينومه، فلا يقولها " قال: ورأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعقدهن بيده (3)
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يُعلِّمُ الصَّحابةَ ويُرشِدُهم إلى ما يُقالُ مِن الأذكارِ بعدَ الصَّلاةِ، وعندَ النَّومِ، مُبيِّنًا فَضْلَ هذه الأذكارِ وعَظيمَ ثوابِها.
وفي هذا الحديثِ يُخبر عبدُ اللهِ بنُ عمرٍو أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم قال: "خَصلَتان، أو خَلَّتان"، أي: صِفَتان "لا يُحافِظُ ويُداوِمُ علَيهما"، يعني: على هاتَينِ الخَصْلتَينِ عبدٌ مسلمٌ إلَّا دخَل الجنَّةَ، "هُما يَسيرٌ"، أي: إنَّ هاتَيْن الخَلَّتَين عَمَلُهما سَهلٌ وخفيفٌ، ولكنْ مَن يَعمَلُ بهما ويُداوِمُ عَليهِما عدَدُهم قليلٌ. "يُسبِّحُ في دُبُرِ" أي: بَعدَ "كُلِّ صلاةٍ" مكتوبةٍ "عَشرًا"، عشْرَ مرَّاتٍ، "ويَحمَدُ" اللهَ "عَشرًا، ويُكبِّرُ" اللهَ "عَشرًا، فذلك" العمَلُ "خَمسونَ ومِئةٌ باللِّسانِ"؛ لأنَّها تُفعَلُ خمسَ مرَّاتٍ في اليومِ واللَّيلةِ كلَّ مرَّةٍ ثلاثون، ومَجموعُهم مِئةٌ وخَمسون، "وألفٌ وخَمسُ مِئةٍ في الميزانِ"، يَعني: أنَّها تَكونُ مُضاعَفةً؛ لأنَّ الحسَنةَ بعَشرِ أمثالِها، وهذه هي الخَصلَةُ الأولى. أمَّا الخَصلةُ الثَّانيةُ فهي قولُه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "ويُكبِّرُ أربعًا وثَلاثينَ إذا أخذ مَضجَعُه"، يَعني: إذا أراد النَّومَ، "ويَحمَدُ ثَلاثًا وثَلاثين، ويُسبِّحُ ثلاثًا وثَلاثين، فذلك" العَملُ عددُه "مِئةٌ باللِّسانِ، "وألفٌ في الميزانِ" يَعني: مُضاعَفين. ثمَّ قال عبدُ اللهِ بنُ عمرٍو: "فلَقَد رأيتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يَعقِدُها بيَدِه"، يعني: يَعُدُّها بأصابِعِه؛ يُكبِّرُ ويُسبِّحُ ويُهلِّلُ.
ثمَّ سأل الصَّحابةُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم فقالوا: "يا رسولَ اللهِ، كيف هُما يَسيرٌ ومَن يَعمَلُ بهِما قليلٌ؟ قال: يَأتي أحَدَكم- يَعني: الشَّيطانَ- في مَنامِه"، ويُوسوِسُ له، "فيُنوِّمُه قبلَ أن يَقولَه"، يَعني: قبلَ أن يَقولَ هذا الذِّكرَ، و"يأتيه في صَلاتِه فيُذكِّرُه حاجةً"، أي: مِن حاجاتِ الدُّنيا وأشغالِها حتَّى يَنصرِفَ مِن صلاتِه "قبلَ أن يَقولَها".
وفي الحديثِ: الحثُّ على الذِّكرِ بعدَ الصَّلاةِ؛ لِما فيه مِن أجرٍ وثوابٍ عظيمٍ.
وفيه: بيانُ أنَّ التَّوفيقَ إلى الخيرِ مِن فضلِه سُبحانَه، وبيانُ سعَةِ فضلِ اللهِ تعالى وكرَمِه، وأنَّه يُثيبُ على الأعمالِ أكثرَ مِن قَدْرِ التَّعبِ في أحيانٍ كثيرةٍ.
وفيه: عَقْدُ التَّسبيحِ وعدُّه بأصابعِ اليدِ.
وفيه: بيانُ حِرصِ الشَّيطانِ على تَثبيطِ الإنسانِ عنِ اكتِسابِ الخيراتِ، وإفسادُه وصدُّه عن ذِكرِ اللهِ تعالى.
وفيه: إثباتُ الميزانِ، وأنَّ الأعمالَ تُوزَنُ يومَ القيامةِ.