‌‌مسند عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما300

مسند احمد

‌‌مسند عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما300

حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق سمعت وهب بن جابر، يقول (1) : إن مولى لعبد الله بن عمرو، قال له: إني أريد أن أقيم هذا الشهر هاهنا ببيت المقدس؟ فقال له: تركت لأهلك ما يقوتهم هذا الشهر؟ قال: لا، قال: فارجع إلى أهلك فاترك لهم ما يقوتهم، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت " (2)

اعتَنَتِ الشَّريعةُ بحُقوقِ جَميعِ النَّاسِ، حتَّى العبيدِ، وحتَّى الحَيَواناتِ والبَهائمِ، حيثُ أوجَبَتْ على مُلَّاكِها الإنْفاقَ عليهم، والقِيامَ بحُقوقِهم، فما أكمَلَ الشَّريعةَ، وأشْمَلَها، وأقْوَمَها، وأعْدَلَها، وأوْفَاها!
 وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ خَيْثمةُ بنُ عبدِ الرَّحمنِ -وهوَ أحدُ التَّابِعينَ- أنَّهم كانوا جُلوسًا معَ عبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو رَضيَ اللهُ عنهما، فجاءَه قَهرَمانٌ له، وهوَ القائمُ بأُمورِه الحافظُ لِمَا تَحتَ يَدِه، فسأَلَه عبْدُ اللهِ بنُ عَمرٍو رَضيَ اللهُ عنهما: هل أَعْطيتَ الرَّقيقَ المَمْلوكينَ قُوتَهم؟ والقُوتُ هو الطَّعامُ الَّذي يُقيمُ قوَّةَ الجَسدِ، فَقال: لا، لم أُعطِهم قوتَهم، فأمَرَه عبْدُ اللهِ بنُ عَمرٍو رَضيَ اللهُ عنهما أن يَنطلِقَ مُسرعًا ويُعطيَهمُ الطَّعامَ، ثُمَّ بيَّنَ لَه السَّببَ وهوَ قولُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: «كفَى بالمَرءِ إثمًا»، أي: يَكْفي المرءَ مِن أسبابِ كَسبِ الإثْمِ والذَّنبِ، «أنْ يَحبِسَ عمَّن يَملِكُ قُوتَه»، يَعني مَن تَلزمُه نَفقتُه مِن أهْلِه وعِيالِه وعَبيدِه، والمرادُ أنَّه لو لم يكُنْ للشَّخصِ ذنبٌ غيرُ مَنعِه مملوكَه قوتَه، لَكَفاهُ ذلك إثمًا يوجِبُ له دخولَ النَّارِ.
وفي الحَديثِ: الأمرُ بالإنْفاقِ على مَن تلزَمُ رِعايتُه.